الاثنين، 12 سبتمبر 2022

شخصيات: أبو النخلة، وعشيق الأرض "السيِّد الفاضل محمَّد بن باعلي الأطرش"

 

أبو النخلة، وعشيق الأرض

السيِّد الفاضل: محمَّد بن باعلي الأطرش


    هو السيد الفاضل، الفلاَّح الموهوب الماهر: محمَّد بن باعلي بن عيسى بن باعلي بن إبراهيم بن باحمد بن عبد الله، الأطرش.

    ولد يوم: 20 ربيع الأوَّل 1358ه، الموافق لـــــــ: 10 ماي 1939م، بمدينة بريان، ولاية غرداية، وكانت ولادته بأجنَّة البلدة (لْغَـابَتْ)، في ناحية الزرﭬِـي.

    اقتصرت دراسته بما تحصَّل من القرآن الكريم إلى سورة لقمان، ومبادئ القراءة والكتابة، بالمحضرة (الكتَّاب)، على يد الشيخين الفاضلين:

-      سليمان بن بابا كرُّوشي.

-      إبراهيم بن باعلي لعساكر.

    ولـمَّا بلغ من العمر اثني عشر عاما سنة 1941م، سافر إلى الجزائر العاصمة مضطرًّا تحت ضغط الحاجة وظروف الحرب العالمية الثانية، فاشتغل بمحلٍّ للتجارة في المواد الغذائية، فكان مجتهدا في عمله، ومخلصا فيه، يعشقه بصدق، وهذ ما جعله يرابط فيه ثابتا عشرين سنة كاملة، ولم ينقطع عنه إلاَّ هروبا سنة 1961م، عندما أقسم عليه أحد إرهابيِّي "منظمة الجيش السرية الإرهابية الفرنسية"  O.A.Sمهدِّدا إيَّـاه بالقتل صراحة.

    وقد تعرَّض أكثر من مرَّة خلال سنوات "الثورة التحريرية" (1954-1962م)، إلى مخاطر كثيرة، ولولا لطف الله تعالى لكان ضحيَّتها يوما مَّـا.

    فقد نجا بلطف من الله تعالى عند الانفجار الذي وقع أمام قاعة سينما الجزائرية بشارع ديدوش مراد في العاصمة، خلال الثورة التحريرية، كما تعرَّض إلى مضايقات شديدة من البوليس الفرنسي خلال إضراب الثمانية أيَّام، واعتراضات الحواجز الأمنية المتعدِّدة أثناء تنقُّلاته بين مقر عمله في العاصمة، إلى مسقط رأسه بريان، وفي كلِّ مرَّة يُــفـتَّــش تفتيشا شديدا، ويتَّهمونه بالانتماء إلى الفلاَّﭬـة (المجاهدين)، وأنَّ ما يحمله معه من مؤونة موجَّه إلى الثوار.

    وفي سنة 1961م، استقرَّ به الحال بمسقط رأسه بريان، حيث اشتغل في الفلاحة، والرعي مع والده الحاج باعلي (رحمه الله) بأرضه الكائنة في ناحية السودان، فأخذ منه علوم وأسرار الفلاحة كما أخذه الوالد أبا عن جدٍّ.

    فتعلَّم منه كما يتعلَّم الطالب من الشيخ العالِم أيَّ علم، وفَــقِـه أحكام الفلاحة كما يحفظ فقهَ عباداته، وحفِظ أسرار الزراعة كما يحفظ السورةَ من القرآن الكريم، وعلِم مواسم الحرث والبذر والجني كما علم أعياد دينه ووطنه، وخَــبَر طرق ووسائل وأماكن الحفظ والتخزين والعولة كما يَخـــــبَر التاجرُ مجالب الربح ومذاوِد الخسارة، وورث بذورا أصيلة مخزونة من جدٍّ إلى جدٍّ وجدٍّ وأكثر، وهو الآن يحفظها ويحافظ على أصالتها ليورِّثها لمن بعده بعدَ عمر طويل إن شاء الله؛ وناله من شرف الأنبياء والرسل ما امتهنوا قبل الرسالة، من تربية للمواشي، والخروج بها إلى المراعي، مرافقا رفيقا، وراعيا مسؤولا، وحارسا أمينا.

    وكان لوالده السنَد الأمين، والكتف المتين، والولدَ البار، إلى أن آثره الله إلى جواره سنة 2008م، وتركه وقد اشتدَّ عودُه، واكتمل علمُه، وتمَّت معارفُه، وورث عنه حرفة ومهنة هي أحسن وأغلى من مال؛ ورحل والده بعد أن أثلج صدرَه بما أضاف من إبداع وإنتاج في مجاله.

    وذلك لـمَّا بدأ استصلاح أرضٍ من سبع هكتارات كاملة في ناحية سيدي مبارك العذراء، وحوَّلها إلى جنَّة خضراء، بمئات النخيل والأشجار المثمرة، وضَمِن لها الحياة ببئرين حفرهما بيديه تقليديا، وأردفهما بثالث جوفي لا يغور ماؤه.

    فكان ولا يزال يموِّن بيته، وسوق البلدة بنتاج أرضه الوفير، بما يسيل فيها من عرقه الغزير، كالتمر وفسائل النخل، ومختلف الخضر والفواكه؛ رغم ما يعانيه من جوائح طبيعية، كالجراد، والجفاف، وقوَّة الرياح العاتية التي تجتث النخل والشجر بجذورها.

    ولم يكن الحاج محمَّد متقوقِعا لنفسه في أرضه الفسيحة، وبين نخيله وأشجاره وما بينها من مزروعات ومغروسات، بل كان يبدع في عمله ويُعمل عقله، ويبحث في تخصُّصه، ويتواصل مع العالَـم والمحيط حوله، ما جعله يبتكر أحد عشر نوعا جديدا من التمور، لم تعرفها المنطقة من قبل، ويشارك بها وبغيرها من المنتجات في معارض عديدة، بمناطق عديدة من الوطن، منها: مدينة بريان، وغرداية، والقرارة، ووادي سوف، وعين تيموشَّنت، كما في عدَّة دول أجنبية، كالمغرب، وتونس، وإيطاليا، ... وغيرها، واعترف له "المعهد الوطني للبحث الزراعي في الجزائر" (Institut national de la recherche agronomique) بسبعة أنواع منها، وأطلق عليها أسماء جديدة ذات معنى ومغزى، كأنَّها بناته.

    وله تواصل وعمل بحثي في مجال النخلة والتمور مع الأمم المتحدة، عبر "المعهد الدولي للموارد الوراثية النباتية" (international plant genetic resources institute)؛ ومنحَ له شهادة تقدير بذلك يوم 30 جوان 2003م، تحمل هذا النصّ:

    -"بمناسبة مضي نصف مشوار المشروع "التسيير التساهمي للمصادر الوراثية للنخيل في واحات المغرب العربي" يشرِّفنا أن نعبِّر لـــــــ: "السيِّد محمَّد لطرش" عن خالص تشكُّراتنا عرفانا منَّا لكم على صدق إرادتكم وتعاونكم لإنجاح مختلف نشاطات المشروع. نقدِّر فيكم عزيمتكم وتفهُّمكم على مواصلة المجهود لتحقيق طموحاتنا المشتركة.

غرداية في: 30-06-2003م

الإمضاء: المنسِّق الوطني: عبد الرحمن بن خليفة. ---- مساعدة بحث: مسعودة قرادي1

    إضافة إلى عدَّة شهادات شرفية وتقديرية على مشاركاته المتميِّزة، في معارض خاصَّة بالفلاحة، أو الحرف اليدوية، أو الصناعات التقليدية، وغيرها.2

    كما كان موضوعا لمقال في إحدى المجلاَّت الصادرة باللغة الانجليزية في ........ تحت عنوان: "تنوُّع نخيل التمر-قصَّة مزارع"، مع صورة له يعرض فيها بفخر أصنافا من تمور نخيله، كما قالت المجلَّة.3

------------

*مقابلة كاتب الترجمة: يوسف بن يحي الواهج، مع الحاج محمَّد بن باعلي الأطرش في بريان، يوم: 04 جويلية 2021م.

1- أنظر الصورة رقم: 1.

2- أنظر نموذجا لها في الصورة رقم: 2.

3- أنظر الصورة رقم: 3.

بقلم: يوسف بن يحي الواهج

الجزائر: 13 أوت 2021م

هناك 3 تعليقات:

  1. التاريخ فيها اشكال

    ردحذف
  2. الحاج محمد بن باعلي الأطرش خقا خير خلف لخير سلف
    علم في الزراعة وخاصة عمتنا النخلة
    يفقه فيها ما لا يفقهه المهندسين الزراعيين
    باحث من الطراز الاول حقق ما لم تحققه مراكز البحث المنتشرة في الوطن
    بارك الله في صحته

    ردحذف
    الردود
    1. مشكور أستاذ على المرور، وعلى شهادتكم القيِّمة في الفاضل الحاج محمَّد لطرش حفظه الله.

      حذف