الخميس، 10 نوفمبر 2022

شؤون اجتماعية: تدشين فرع الشيخ صالح بن يحي الطالب باحمد "يوم تاريخي بالبلدة بريان"

 

تدشين فرع الشيخ صالح بن يحي الطالب باحمد

يوم تاريخي بالبلدة بريان


    اليوم الخميس: 10 نوفمبر 2022م، كان يوما تاريخيا مشهودا في بلدتي العزيزة "بريان العامرة"، يومٌ ذكَّرني بيوم تدشين المسجد العتيق في "حي بربورة" بعد نهاية تجديده الكلِّي سنة 1960م، والنشيد الرائع للشيخ يوسف بن صالح تربح" (رحمه الله) الذي يقول فيه:

حيِّ مَـساعِي الجــيل    بيت الله الجَـــــلــيل

حـيِّ المساعي وحيِّ الجــــــهود   شُـــيِّد مســجدُنــا للخـــــــلـود

بــعون اللهِ لا بعون الــحســــــود    فُــزَنــــا بِــــــهــــــــــذَا الجَمــــــــــيل

    إلى آخر النشيد الخالد.

    وفعلا، فاز هذا الجيلُ جيل القرن الواحد والعشرين بمثل ما فاز به جيل القرن العشرين.

    سبحان الله، ما أشبه اليوم بالبارحة، لـمَّا أردتُ التأكُّد من تاريخ نشيد الشيخ تربح، وجدت هذه المفارقة الغريبة:

    كان انطلاق أشغال المسجد يوم: 16 ماي 1959م، وكان تدشين المسجد يوم 20 سبتمبر 1960م*، أي بعد خمسة عشر شهرا.

    وكان انطلاق أشغال هذا الصرح في أواسط جويلية 2020م، وكان تدشينه يوم 10 نوفمبر 2022م، أي بعد خمسة عشر شهرا.

    فالخير -كما ترى أخي القارئ- لا يزال في أمَّتي متجذِّرا، وموروثا، وقائما اليوم كما بالأمس، ولا غرابة في ذلك، فما هذا الجيل إلاَّ أبناء، وأحفاد، وتلاميذ، ذلك الجيل، جيل الخمسينيَّات والستينيات من القرن العشرين الماضي: ﴿ذُرِّيةٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ﴾، نسأل الله تعالى أن يرحم آباءنا، ومشايخنا، وشيوخنا، ويحفظ القائمين على المشاريع والمؤسَّسات الخيرية اليوم، ويديم الخير والخيريَّــة في هذه الأمَّة. آمين.


v  الموقع:

    يقع مشروع جمعية الفتح الجديد على ربوة مطلَّة على مقام ومصلَّى "الشيخ عامر الشماخي"، وقد تحصَّلت الجمعية على القطعة الأرضية الواسعة من البلدية تعويضا عن بضعة أمتار اقتطعتها من أرض "المدرسة القديمة"،أو "أمِّ المدارس" كما يَسِمها المرحوم الشيخ الناصر حريزي، ومنحتها الجمعية لشركة الكهرباء لتقيم عليها محوِّلا كهربائيا تستفيد منه ساكنة الحيِّ.

    فبارك الله تعالى في تلك الأمتار القليلة وأرباها إلى مئات من الأمتار ﴿وَيُرْبِي الصَدَقَات﴾، فضمَّ اليوم هذا الصرح الراقي، منارة العلم والمعرفة.

 

v  انطلاق الأشغال:

    انطلقت أشغال هذا المشروع بتوفيق من الله تعالى، وعونٍ من الخيِّرين المحسنين، بهمَّة كبيرة من إدارة جمعية الفتح العريقة، في "النصف الأوَّل من شهر جويلية 2020م"، ووضع حجر الأساس فيه يومها أعضاءٌ من مكتب جمعية الفتح، وعلى رأسهم رئيس الجمعية آنذاك: "الشيخ الناصر بن أمحمَّد حريزي" (رحمه الله).

    ومن يومِها سارت الأشغال بشكلٍ مطَّرد، وذلَّلت إدارة جمعية الفتح كلَّ العقبات والعراقيل والمتاعب، بفضل الله تعالى، وفضل الخيِّرين الصادقين المخلصين في المجتمع.

    وهو اليوم، وإن لـم يكتمل، فنحن اليوم نعيش المبتدأ، وقريبا سنحضر الخبر، وكما قال الشاعر:

إنَّ الــــهـلالَ إذا رأيتَ نمــــوَّه      أيقنتَ أن سيكونُ بدرًا كامـلا

    أسأل الله العليَّ القدير أن يمدَّ في أنفاسنا حتَّى نشهد اكتمال البدر، وتكتمل الفرحة إن شاء الله.

 

v  حفل التدشين:

كان الحفل صباح الخميس 10 نوفمبر 2022م، في الطابق الأرضي للمدرسة، وخُصَّت به طالبات المتوسِّط والثانوي بالمدرسة؛ وحضر الحفل:

-      الرئيس الشرفي للجمعية: الأستاذ عبد الله بن الشيخ صالح الطالب باحمد.

-      رئيس الجمعية، الأستاذ: الحاج محمَّد بن عمر أرشوم.

-      أمين مال الجمعية، الأخ: مصطفى بن باحمد دبُّوز.

-      المدير العام لمدارس الفتح، الدكتور: عبد الله بن باعلي بعوشي.

    إضافة إلى أعضاء من حلقة العزَّابة الموقَّرة، وبعض الأعضاء من مكتب الجمعية، ومديري بعض المدارس العمومية والخاصَّة، ونخبة من الأساتذة المثقَّفين.

    كان الافتتاح بتلاوة مباركة لقصار السور من القرآن الكريم، ثمَّ كلمة رئيس الجمعية، ثمَّن فيها المشروع ودعا لكل من ساهم فيه من العاملين، والمحسنين أن يتقبَّل منهم جهودهم وعطاءهم، وقال للطالبات أن دورهن اليوم في هذا المشروع أن يجتهدن في طلب العلم والعمل به، وفي ختامها أعلن التدشين الرسمي لـــ: "مدرسة الشيخ صالح بن يحي الطالب باحمد" رحمه الله.

    وبعده مداخلة قصيرة من أمين مال الجمعية، أرجع فيها الفضل إلى مكتب الجمعية الحريص جدًّا على إنجاز المشروع، ومتابعته بشكلٍ يومي، وثمَّن في كلمته تماسكَ وانسجام أعضائه بشكل جيِّد.

    وبعد ذلك، تدخَّل المدير العام بكلمة قيِّمة، عرَّف فيها الحاضرين والطالبات بالمدرسة، وتسميتها بالشيخ الفاضل الذي قضى عمره كاملا في التربية والتعليم وتحفيظ القرآن بصفة خاصَّة، وأشار إلى أهمِّية إطلاق أسماء معلِّمين قضوا أعمارهم مدرِّسين في مدرسة الفتح.

    وبالمناسبة، قرأ على الحاضرين والحاضرات قصيدة للشاعر الجزائري الفحل "مفدي زكرياء" كان أرسلها إلى رائد الصحافة الوطنية "الشيخ أبو اليقظان" (رحمه الله)، وعرض على الطالبات جائزة للتي تبحث عن نصِّ القصيدة، وتكتبه بخط جميل بأنامها، وإخراج أجمل، ثمَّ تلا قصيدة ثانية للشاعر عراقي عن المدرسة.

    ثمَّ توجَّه بحديث جميل إلى الطالبات لتحريضهنَّ على طلب العلم والتفقُّه في الدين، والعمل به، وتبليغه، وتمنَّى أن يكون منهنَّ عالمات، صالحات، داعيات، فقيهات، مثل أمِّ المؤمنين "عائشة" رضي الله عنها، بعد أن عرض عليهن مناقب من حياتها، وتقدير كبار الصحابة لها.

    وكانت الكلمة الأخيرة، من الأستاذ "خنّ لقمان" أبدى إعجابه بالصرح المدشَّن اليوم، وذكَّرنا بالخلفية التاريخية للأرض التي بنيَ عليها، وتمنَّى أن يؤدِّي المروع دوره في المجتمع.

    وبعد دعاء الختام الذي رفعه الرئيس الشرفي للجمعية "الشيخ عبد الله بن يحي الطالب باحمد" اتجه الحاضرون من الضيوف إلى قاعة الإدارة حيث قدِّمت لهم معلومات وإحصائيات عن المدرسة، وبعد ذلك أُكرمنا جميعا بتمرٍ ولبنِ، مع الشاي وبعض الحلويات.

    وعند المساء، كان حظُّ الأبناء من طلبة المدرسة مع حفل التدشين في نفس اليوم، افتتح بتلاوة مباركة جماعية تلاها نخبة من طلاَّب المدرسة، تلتها كلمة رئيس الجمعية، الأستاذ: الحاج محمَّد بن عمر أرشوم، وكانت مفعمة بالمشاعر الصادقة، والعواطف الجيَّاشة، حول المشروع الكبير، ودعا الطلبة إلى الاجتهاد والجد والمثابرة في طلب العلم، فلأجلهم بني هذا الصرح العلمي.

    وحمد الله تعالى وشكره على نعمته وتوفيقه وعونه، واستشهد بدعاء المرأة المزابية أمام هذه المنجزات تقول فيه: -"رَبِّ وَغْنِيخَيَّب لَعْنَـا"-، وقرأ قوله تعالى: ﴿وَأَمَّـا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾.

    وأعقب كلمة رئيس الجمعية نشيد "إِهْنأ يا قادم" من أداء مجموعة صزتية من طلاَّب المدرسة، فكلمة مدير الفرع بالنيابة، الأستاذ: إبراهيم بن أعلي مغازي، تلته كلمة الأستاذ: "عيسى بن سليمان أولاد داود" بالمناسبة.

    وبعده تناول الكلمة، المدير العام، الدكتور عبد الله بن باعلي بعوشي، قدَّم حلالها توجيهات قيِّمة للطبة، تفيدهم في مسارهم الدراسي، ركَّز على أهمِّية هذا اليوم التاريخي في حياتهم، والذي سيظلُّ راسخا في ذاكرتهم، وسيظلُّون يذكرونه حيثما رحلوا وارتحلوا، وتمنَّى أن يعمر هذا المركَّب العلمي بهم وهم يحفظون القرآن الكريم ويتلونه، ويتعلَّمون العلم الصحيح.

    وبعد تعهُّد الطلبة في قسَمٍ جماعيٍّ على تلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار، وأن يجتهدوا في طلب العلم، وأن يحافظوا على هذا الصرح، قدَّم المدير العام للطلبة الشيخ: يوسف بن حمُّو ابن زايط (حفظه الله) الذي التحق بالحفل، وقدَّمه أنَّه كان ضمن الدفعة الأولى في أوَّل قسم بالمشروع عند تأسيسه سنة 1927م، ووعد الحاضرين أن يكون للمعلِّمين ومديري الفروع مع الشيخ لقاء خاص بعد عشاء اليوم، يحدِّثنا عن البدايات الأولى لمشروع التعليم ببريان، وما حفظ من تاريخه.

    ولكنَّ الشيخ يوسف ابن زايط لـم يتمالك أمام هذا المشهد، فأخذ الميكرفون وفاض حديثه بشهادات تملأها العواطف والذكريات، فذكر للطلبة الدار الأولى التي آوت أوَّل قسم دراسي في بريان، تحت أستاذية "الشيخ صالح بن يوسف لبسيس" (رحمه الله)، وكيف كان جلوسهم على أديم الأرض، مع بساطة المكان والوسائل المستعملة، وقارن بين الدراسة في تلك الأيَّام، وبينها في هذه الأيَّام، في هذا القصر الجميل.

 

v  مشاعر وعواطف:

    بقدر ما كنتُ أتابع الحفل عيانا، كنت أعود بذاكرتي وعواطفي إلى أيَّامٍ خلت، قرأت عنها في الأسفار، وسمعتُ عنها من ذوي الأخبار، وأستعرض بين ناظريَّ الرجال الأخيار؛ فعشتُ التاريخ في تلك اللحظات الجميلة، واعتبرتُ نفسي محظوظا أن أحضر هذا المشهد الذي لا يماثله أو يفضله إلاَّ مشهد تدشين المسجد العتيق "بربورة"، وذلك الحفل الرائع الذي وصفه "الشيخ عبد الرحمن البكري" في مذكِّراته، والخطاب الذي ألقاه يومها، ونشيد الشاهر الأديب "يوسف تربح"؛ وأحسست حينها مبلغ الفرحة والسعادة والانتصار في قلوب الذين حضروا ذلك الحدث، ومثله من المشاهد والأحداث والإنجازات.

    وتوقَّفتُ عند مشهد وقوف "الشيخ عبد الله بن الشيخ صالح الطالب باحمد" (حفظه الله) نجل المسمَّى به هذا الفرع، تحت اللافتة التي علِّقت على البوَّابة، وهي تحمل اسم والده "الشيخ صالح" (رحمه الله). إنَّها صورة ومشهد يعبِّران بوضوح عن التواصل السائد في مجتمعنا بين الأجيال، وإنَّه والله لمشهد مؤثِّر جدًّا.

    وبعد دخول فضيلة "الشيخ يوسف بن زايط" حفظه الله الحفل، وأخذ مكانه في صدارة الحفل ازداد المشهد عندي تعبيرا عندما وجدت أن الحدث التاريخي اليوم قد شرَّفه بالحضور والمشاركة ثلاثة رؤساء تولَّوا رئاسة الجمعية، ولا يتأتَّى ذلك إلاَّ نادرا، إنَّهم:

-      الشيخ يوسف بن حمُّو ابن زايط. (حفظه الله).

-      الشيخ عبد الله بن الشيخ صالح الطالب باحمد. (حفظه الله).

-       الأستاذ الحاج محمَّد بن عمر أرشوم. (حفظه الله).

    والرئيس الرابع، أراه حاضرا بروحه الكريمة، إنَّه: الشيخ الناصر بن امحمَّد حريزي (رحمه الله)، وهو الذي كان قلبه متعلِّق بالفتح إلى الحشاشة، والفتح تجري فيه مجرى الدم في عروقه، ويتمنَّى أن يتمتع بهذا الإنجاز عند اكتماله يوم وضع الحجر الأساسي لانطلاق أشغاله.

    كلُّ هذه المشاعر، وهذه الذكريات، جعلتني أحرص على تخليد هذا اليوم بهذا التقرير المفصَّل، على منهج الشيخ عبد الرحمن بن عمر بكلِّي (البكري) في مذكِّراته، وكتاباته.

*مقتطفات من مذكرات البكري، ص: 508.

بقلم: يوسف بن يحي الواهج

بريان: 10 نوفمبر 2022م





هناك تعليقان (2):

  1. منفظلك ودار الحجر متى تاسس وتدشن

    ردحذف
    الردود
    1. الجوابفي كتاب: "مقتطفات من مذكرات البكري".

      حذف