الخميس، 30 أكتوبر 2014

من دفاتري النوفمبرية

بودي الحاج حمودة
والآذان بغير صلاة


    في سنة 1961م، تعرَّضت مدينة بريان من ولاية غرداية، إلى حصار شديد من طرف الجيش الفرنسي الاستعماري، بعد وشاية من طرف أحد العملاء بوجود مجاهدين يختبئون داخل البلدة، بتواطؤ من بعض سكَّانها.
    وفي هذا الحصار، أخرج المستعمر جميع رجال البلدة من شباب وكهول وشيوخ إلى محتشد خارج البلدة، في ساحة بودواية، ولم يترك داخل المدينة إلاَّ الاطفال والبنات والنساء، وكان الأمر مقلقا جدًّا وحرجا للغاية عند الرجال وأهل الحل والعقد في البلدة، مخافة أن يكتشف الجنود مخابئ المجاهدين، أو يعيثوا ظلما وفسادا في أعراض وحرمات وأموال السكان.
    أمام هذا الوضع المؤلم المزعج، هبَّ فجأة الشيخ: الحاج حمُّودة بودي (رحمه الله) مؤذِّن البلدة آنذاك من بين الشيوخ وأعيان البلدة، فتوجَّه إلى الضابط المكلَّف بحراسة المحتشد، فقدَّم له نفسه على أنَّه مؤذِّن المدينة المكلَّف بالنداء للصلاة، وكان يتقن اللغة الفرنسية، فقال:

-      أنا مؤذِّن البلدة، وعليَّ أن أذهب إلى المسجد للأذان.
    أجابه الضابط قائلا:
-      لا، لا، ودفعه إلى داخل المحتشد.
    وأصرَّ الحاج حمُّودة بودي على الذهاب قائلا:
-      لا، بل يجب عليَّ الذهاب، فوقت الصلاة قد حان.
    وأمام إصرار وإلحاح الشيخ على الخروج من المحتشد، سأل الضابط قائد البلدة، الطالب عمر بودي (رحمه الله) والقائد الحكيم الذي قدَّم للبلدة والثورة التحريرية الكثير:
-      هل صحيح ما يقوله الرجل؟؟
    أجابه القائد، وقد تفطَّن بدهائه لحيلة وهدف المؤذِّن من إصراره على الأذان في غير وقته:
-      نعم أيُّها الضابط، يجب أن يذهب للأذان.
    فتحرَّر الشيخ من المحتشد مسرعا إلى المسجد، وفي طريقه إليه لاحظ انتشار الجنود الفرنسيين في شوارع المدينة، فلاحظ أنَّهم كلَّما دخلوا بيتا ليفتشوه، وضعوا على بابه عند خروجهم منه علامة x إشارة لغيرهم من الجنود على أنَّ البيت قد تم دخوله وتفتيشه.
    فارتقى بسرعة مأذنته، وصدح منها بالأذان كعادته، كأنَّه ينادي إلى الصلاة المكتوبة، وبعده جمع بعض الأطفال الصغار وأعطاهم الطباشير من نفس اللون الذي يستعمله الجنود، وعلَّمهم كيف يفعلون على الأبواب التي لا تحمل علامة x، ففعل الأطفال ما أمرهم الشيخ، فأنقذوا البلدة والمجاهدين المختبئين.
    هذه واحدة من المكرمات والفضائل الكثيرة المغمورة، التي قدَّمها الشيخ: الحاج حمُّودة بودي رحمه الله، أتمنَّى أن يبعث الزمن يوما باحثا أو باحثين يهتمُّون بما قدَّمه المجاهدون المخلصون للوطن. خاصَّة أولئك الذين غمرتهم المصالح الضيِّقة، وظلمتهم كتب التاريخ الرسمية، وتجاهلهم المثقفون والكتَّاب والمؤرخون.


بقلم: يوسف بن يحي الواهج

هناك 7 تعليقات:

  1. هذا غيض من فيض . و ما لم يصلنا بعد من اقر الناس الينا اكبر.

    ردحذف
  2. الله اكبر الله يرحم لم يؤخد حقه من التكريم

    ردحذف
  3. نتمنى من الموثقين والكتاب نشر المزيد من تاريخنا المجيد ونحن في ايام الكتاب

    ردحذف
  4. رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه رحمهم الله

    ردحذف
  5. جزى الله عنا الشدائد خيرا و رحم الرجال الذين عرفوا كيف يتصرفون بما يناسب و في الوقت المناسب

    ردحذف
  6. على المهتمين بتاريخ المنطقة الإسراع إلى التواصل مع من بقي من كبار السن من أجل جمع ما لديهم من تاريخ و أنشطة تلك الحقبة الثورية منها و الإجتماعية و رحم الله السابقين إلى دار الحق رحمة واسعة شاملة كاملة و بارك لمن لا يزال منهم يعارك الحياة بارك الله لهم في العمر و الصحة و العقل آمين آمين والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا .

    ردحذف
  7. يجب. علينا كافراد و جماعات العمل بانصاف لحماية ذاكرة الامة من الضياع.

    ردحذف