الاثنين، 20 أكتوبر 2014

من ثمرات الكتب

قصة الشاشية المزابية

   أثناء تجوالي بين صفحات الموقع الاجتماعي الفايسبوك (face book)، أظنها صفحة "عرب غارداية" وقعت عيني على صورة تتحدَّث عن الطاقية البيضاء، أو الشاشية (اتْشَاشِيتْ) التي يتميَّز بها الاخوة المزابيون، ولمـــَّــا اطلعت على محتواها وقرأت ما جاء فيها تملَّكني الضحك على ما جاء فيها من مغالطات وترَّهات مضحكة.
    ضحكت على الجهل الفاضح الذي لكاتب الورقة، وهو خريج المدرسة الجزائرية، ويعيش في القرن الواحد والعشرين، ويستعمل التقنيات الرقمية الحديثة.
    كما ضحكت من جرأته الصبيانية على استغباء واستحمار قرَّاء وروَّاد المواقع العنكبوتية والشبكات الاجتماعية، يحسبهم جميعا مثله، يسبحون في مستنقعات الجهل.
    فوددت لو كتبت له ردًّا على ما جاء في ورقته تلك، ولكنَّني استنكفت أن أنزل إلى مستواه الفكري الجهول المظلم، وفضَّلت أن أفيد الاخوة الكرام من المثقَّفين القراء وروَّاد الشبكة العنكبوتية بالقصَّة الكاملة الحقيقية للطاقية المزابية البيضاء (اتْشَاشِيتْ).

    والقصَّة أنقلها حرفيًّا من كتاب: الاباضية في موكب التاريخ، الحلقة الثالثة، صفحة: 184، للكاتب الكبير الاستاذ: علي يحي معمَّر، أثناء حديثه عن العلاَّمة: أبي محمَّد عبد الله بن سعيد السدويكشي.
    "كان شيخ الجزيرة في ذلك الحين أحد أبناء أبي الجلود الذين توصَّلوا إلى الحكم عن طريق الرشوة، والكيد وتقديم الأموال، وأقام الرجل في دار الحكم ينتظر أن يحتفل به الناس، وأن يلتفُّوا حوله، وأن يعمِّروا مجلسه، وأن يتودَّدوا إليه، وأن ينقلوا إليه أخبار الناس، وأن يعرضوا عليه مشاكلهم، فلم يكن يأتيه اللهم إلاَّ  أشياخ الحارات في مواعيد الضرائب يحملون إليه ما فرض على الناس كاملا مستوفى، دون شكوى من أحد، وبقي الرجل في فراغ، فكان يتساءل عن السبب حتَّى أخبره أحد الناس، أنَّ أهل الجزيرة تعوَّدوا أن يرجعوا بمشاكلهم إلى علمائهم الذين يتمتَّعون باحترامهم وتقديرهم، وإنَّ أعلم علمائهم في هذا الحين الذي يرجع الناس إليه هو أبو محمَّد عبد الله السدويكشي، وغضب شيخ الجزيرة في نفسه وظنَّ أنَّ التفاف الناس بهذا الرجل استهانة بمنصبه ومقامه، فدعاه إليه ولـــَّـمـا اجتمع به وسمع منه، أكبره وأكبر علمه وأظهر من الاحترام ما يليق بمثله، وانصرف أبو محمَّد من مجلس شيخ الجزيرة.


    ودخل الوشاة الذين لا يحلو لهم إلاَّ أن يحسدوا الناس على ما أتاهم الله من فضل، فقالوا لابن أبي الجلود: ما زدت أن رفعته فوق مكانه، وأصبح هو والي الجزيرة الحقيقي، ولو شاء أن يدعو الناس إلى قتلك أو غير ذلك لاستجابوا له مختارين، وعملت الوشاية في صدر الوالي عملها فدعا إليه الشيخ من جديد وأراد أن يظهره بين الناس في مظهر المستهان به المحتقر، فأمره أن لا يلبس على رأسه إلاَّ طاقية بيضاء من القماش مثل ما يلبس الأطفال تحقيرا له وتشهيرا به، وامتثل الشيخ لأمر الوالي ولبس الطاقية البيضاء حتَّى اشتهرت به، واشتهر بها، وشاءت إرادة المولى سبحانه وتعالى، أن تكون هذه العقوبة أو هذا التشهير الذي أراد به الوالي تحقير أبي محمَّد سبب تكريم لهذا النوع من اللباس.
    إذ لم يمض غير زمن قصير حتَّى كانت الطاقية البيضاء من القماش، هي الزيُّ الرسمي أو اللباس الخاص برجال العلم ورجال الدين، فأصبحت هي لباس العزَّابة والطلبة، وقد انتقلت هذه الفكرة من الجزيرة إلى الجبل، وإلى الجزائر، وإلى جميع مواطن الاباضية في المغرب الاسلامي.
    ولو أتيح للقارئ الكريم أن يزور وادي مزاب في الجزائر فإنَّه سوف يجد جميع العزابة والطلبة لا يلبسون على رؤوسهم إلاَّ طاقية بيضاء من القماش فهي زيُّهم الرسمي الموحَّد، وقد احتفظ الطلبة المزابيون بهذا الشعار في جميع مظاهر النشاط حتَّى أنَّ فرق الكشافة كانت تحتفظ به كلباس للرأس في جميع رحلاتهم ومخيَّماتهم حيثما أقيمت، وكان لها من الجمال ما بعث الاعجاب في نفس رئيس الجمهورية الأوَّل فأثنى عليها وأبدى استحسانه لها.

بقلم: يوسف بن يحي الواهج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق