خواطر من
وحي الحمار
في طريقي من غرداية (تَغَرْدَايْتْ) إلى
الجزائر العاصمة، رأيت على حافَّة الطريق قطيعا من الأحمِرَة (جمع حمار) واقفين
بهدوء غريب.

فقلت في نفسي، ربَّما جاءت تعرض نفسها للعمل،
وتشكو البطالة التي تعاني منها بعد أن أخذت الآلة والعربة الميكانيكية والرافعة
الجبَّارة مكانها.
أو جاءت لتذكِّر الجزائريين مواطنين ومسؤولين
ومجاهدين عن الخدمات التي كان يقدِّمها الحمار لهذا الوطن الغالي على طوله وعرضه،
ولهذا الانسان لقرون عديدة، عبر أجيال متعاقبة.
أو جاءت لتحتجَّ على جفاء الانسان لرفيقه
المخلص، ونكران خيره وفضله وإخلاصه وصبره، أيَّان كانت حاجة الانسان شديدة إليه.
وذهب بي الخيال إلى حقِّ الحمار أن يطالب
بحقوقه في التقاعد بعد الاستغناء عنه في ميدان العمل، وحقَّه من مشاركته في الثورة
التحريرية رفيقا للمجاهدين.
ألم يضع نفسه مركوبا مريحا للمجاهدين؟
يتسلَّق بهم الجبال الوعرة، ويقطع بهم الفيافي القفار، ويعرِّض نفسه للمخاطر
الكثيرة، كما وضع ظهره وسيلة نقل لأسلحة المجاهدين ومؤونتهم وملابسهم ومتاعهم،
وكلَّ ما يحتاجون إليه.
ولأنهي هذا التيَهان في فضاء الخيال الذي لا
ينتهي، قلت لنفسي:
ولكن بطالة الحمار حقيقية مفروضة عليه أُكره
عليها رغما عنه؛ بينما بطالة الانسان مقنَّعة اختيارية واهية الأسباب.
فالجزائر اليوم كلُّها عبارة عن ورشة بناء عظيمة، تحتاج إلى اليد العاملة من كلِّ
الأصناف فلا تجدُها، إلاَّ في الشباب الأفارقة النازحين من الدول الافريقية
المجاورة.
بقلم: يوسف بن يحي المواهج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق