الخميس، 27 أكتوبر 2016

من سجلِّ التاريخ: الحاج يحي الواهج - المهمَّة الصعبة

ورقة نوفمبرية
الحاج يحي الواهج
والمهمَّة الصعبة

    أسرَّ ذاتَ يومٍ أحدُ قادة الثورة التحريرية الجزائرية بتونس، وهو المجاهد الفاضل: يوسف بن خدَّة رحمه الله إلى صديقه وزميله في النضال، الأستاذ: محمَّد بن عمر لعساكر (شفاه الله) أيَّام كان طالبا في جامع الزيتونة، ورئيس اتحاد الطلبة الجزائريين بتونس، أنَّ قيادة الثورة بتونس تبحثُ عن شخصٍ أمينٍ كتومٍ، يقوم بنقل البريد إلى قيادة الثورة بالداخل؛ فطلب منه المساعدة في هذا الشأن.
    فوعده الأستاذ لعساكر أن يجتهد في الأمر، وطلب مهلة يومٍ أو يومين للتفكير والبحث والاتصال.
    بعد ذلك، اتصل الأستاذ بالوالد: الحاج يحي بن حمو الواهج رحمه الله، وعرض عليه طلب قيادة الثورة التحريرية بجبهة التحرير الوطني، فقال له الوالد دون تردُّد:
-      روحي ومالي فداء الجزائر، أنا لها إن شاء الله.
    فاصطحبه إلى مكتب قيادة الثورة، فالتقى بالمجاهد: يوسف بن خدَّة، وبعد التحيَّة والسلام، قدَّم الأستاذ لعساكر الوالد إلى المجاهد معرِّفا به وبعمله، وأخبره على استعداده للقيام بالمهمَّة.

    يقول الأستاذ لعساكر1:جلسنا أنا وعمِّي الحاج أمام المجاهد القائد يوسف بن خدَّة، وكنتُ أنتظرُ أن يخرجَ من دَرْجِ مكتبه ظرفا يحمل رسالة في ورقة أو ورقتين، أو عدَّة أوراق على الأكثر، فإذا به يضع على المكتب طردًا، يضمُّ عدَّة ملفَّات وأوراق، يتجاوز وزنه كيلوغرام، والمصيبة في كلِّ هذا، ذلك الختم الأحمر الذي يحمل عبارة جبهة التحرير الوطني.
    وضع الطردَ أمام عمي الحاج يحي الواهج، وقال له:
-      تفضَّل البريد يا سي الحاج.
    يضيف الأستاذ: لعساكر: في الحقيقة تفاجأتُ بحجمِ البريد هذا، وأشفقتُ على عمِّي الحاج، وكنتُ أنتظر ردَّة فعله من ذلك، وكأنَّني توقَّعتُ أن يرفضَ القيام بهذه المهمَّة الصعبة، التي قد تقضي عليه نهائيا، ولكن فوجئت به يقول للمجاهد: يوسف بن خدَّة:
-      اطمئن يا سيِّدي، سيصل بريدكم إن شاء الله سالما.
    فسأله يوسف بن خدَّة قائلا:
-      قل لي يا سي الحاج، كيف ستخبِّــئه عن أعينِ الفرنسيِّين، وأنت ستمرُّ عبر الحدود، حيث الشرطة والجمارك والجيش؟
    أجابه الوالد رحمه الله:
-      لكَ منِّي أن يصل البريد إن شاء الله، أمَّا كيف، فذلك سرٌّ بينِي وبين خالقي.
    سكتَ المجاهد بن خدَّة، ثمَّ قال له:
-      الله يحفظك.
    أشفق الأستاذ: محمَّد بن عمر لعساكر على صديقه، وشعر كأنَّه قد ورَّط صديقه في عمليَّة خطيرة، تجلبُ له شرًّ مستطيرا على حياته؛ فتابع القضية كأنَّ البريدَ بريدُه، والشأنَ شأنه، ربَّما أكثر من القيادة الثورية نفسِها، ولم يهدأ له بال، أو يغمض له جفنٌ، حتَّى اطمأنَّ على وصول البريد إلى القيادة بالداخل، وعلى سلامة صديقه الحاج يحي الواهج بالاتصال به شخصيا.
    ومنذ ذلك الحين، أصبحَ الوالد رحمه الله الساعيَ الأمين لبريد الثورة التحريرية، بين قيادة الداخل والخارج، من تونس إلى الجزائر، أو من الجزائر إلى تونس.
وبعد الاستقلال، قال له مسؤول بحزب جبهة التحرير:
-      اذهب إلى بورﭬــيبة ليعطيَ لك شهادة أو بطاقة الجهاد.
    ونسي هذا المسؤول ومن على شاكلته، أنَّ حبَّ الوطنِ واجب وشرف وسلوك، وليس مناصب وامتيازات وحقوق.


بقلم: يوسف بن يحي الواهج




1-               شهادة الأستاذ: محمَّد بن عمر لعساكر، مسجَّلة صوتا وصورة على قرص، بتاريخ: 06 جويلية 2007م.

هناك تعليق واحد:

  1. تقبل الله من شيخنا جهاده نحسبه ان شاء الله من الشهداء مع الانبياء والرسل والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
    ومما يُشهد للحاج يحيى الواهج (تهريب)عفوًا نقل الطلبة الى تونس باعتبارهم أنهم أبناؤه ...
    وأضف إلى ذلك قاعدته الأساسية التي تعتبر سر نجاحه وتالقه في حياته العملية والعلمية والاجتماعية هي نقطة النظام والأنظباط .

    ردحذف