رجل المهمَّات الصعبة
الواهج يحي بن حمو

فأنتم والدي العزيز، كنتم تاجرا بمدينة تونس
الخضراء، وكنتم منها في خدمة الجزائر على ساحة الحركة الوطنية، وعلى ساحة الخدمات
الانسانية، وعلى ساحة النضال الثوري، وعلى ساحة العِلْمِ والمعرفة.
ساندتم الحزب الدستوري بتونس عندما وقفتم إلى
جانب الشيخ صالح بن يحي، والشيخ أبو اسحاق اطفيش (رحمهما الله)،
وإلى جانب الشيخ أبي اليقظان إبراهيم (رحمه الله) في جهاده الاعلامي
المتميز.
وجنَّدتم أنفسكم مناضلا ميدانيا ضمن مناضلي
الحركة الاصلاحية الوطنية بالجزائر، التي قادها الشيخ عبد الحميد ابن باديس
بالشمال، والشيخ إبراهيم بيوض بالجنوب، (رحمهما الله).
وكان أكبر همِّكم إعداد الرجل الذي يرفع
الجزائر ويحميها ويخدمها ويطوِّرها بعد الاستقلال بالعلم والمعرفة، فجنَّدتم
أنفسكم ونفيسكم لخدمة العلم وطلاَّب العلم ورجال العلم؛ خاصَّة تلك الجهود التي
كنتم تبذلونها، والمخاطر التي كنتم تعرِّضون أنفسكم إليها في ظلِّ الاستعمار
الغاشم، عندما كنتم تنقلون أبناء الجزائر إلى تونس، لينهلوا العلم من جامع
الزيتونة العامر، ومعاهدها الراقية.
فجعلتم العديد منهم أبناء صلبكم، حتَّى سألكم
أحد رجال أمن الحدود: كم عندكم من الأبناء، عندما تكرَّر الأمر؛ كما جعلتم
منهم عمَّالا تسفِّرهم للاشتغال معكم في متجرك، بينما النية الحقيقية كانت التوجُّه
إلى الدراسة.
وكنتم السفير والبريد والكفيل لهم، نيابة عن
والديهم وأولياء أمورهم بالجزائر، تسهر على راحتهم وصحَّتهم ومسكنهم، وتنقل
أخبارهم وأحوالهم إلى أهاليهم بالجزائر، وأخبار أهاليهم وذويهم، وأحوال الجزائر
إليهم.
ولمـــــَّا نادى منادي الجهاد في الجزائر،
وقامت ثورة أوَّل نوفمبر 54 التحريرية، لم تتردَّدوا أن تكونوا أحد الجنود الذين
وهبوا أنفسهم لخدمة وطنهم.
فقلتم ها أنذا، عندما بحثت الحكومة
الجزائرية المؤقَّتة المقيمة بتونس، عن شخصٍ يتميَّز بالأمانة والثقة والسرِّية
والشجاعة، لنقل البريد والوثائق السرِّية الحسَّاسة من الحكومة المؤقَّتة، إلى
قيادة الثورة بالداخل.
وأمام هذا الانضباط والنجاح في المهمَّة
الخطيرة التي أسندت إليكم، سألكم المرحوم يوسف بن خدَّة، عندما كان رئيسا
للحكومة المؤقَّتة، عن سرِّ نجاح مهمَّتكم، أجبتموه قائلا:
-
المهمُّ سيادة الرئيس، أنَّ البريد يصل هناك آمنا، فلا
تسلني عن السرِّ رجاء.
فزادكم إكبارا وتقديرا واحتراما.
والدي العزيز: كما قلت في بداية
الحديث، لم أكتب اليوم عنكم لأحبط عملكم، معاذ الله، إنَّما كتبته إحياء واحتفالا
بالذكرى الستِّين لثورة نوفمبر الخالدة، العزيزة على كل جزائري، والمثالية والقدوة
لكلِّ ثوَّار العالم؛ كما كتبته لأجعل منكم قدوة ومثَلا لأبنائكم وأحفادكم وشباب
أمَّتكم.
رحمكم الله رحمة واسعة، وأسكنكم فسيج جنانه،
وتقبَّل منكم صالح أعمالكم قبولا حسنا. آمين، إنَّه سميع مجيب.
بقلم
ابنكم: يوسف بن يحي الواهج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق