السبت، 5 نوفمبر 2022

 

الحاج عمر بن عيسى لعساكر

بَطَلُ الجهادين


    الرجل الصالح، الفاضل، الخيِّر، المجاهد، السيِّد: الحاج عمر بن عيسى بن صالح لعساكر (حفظه الله)؛ هو بالفعل -دون مبالغة- بَطَلُ الجهادين، فهو مخضرم ثلاثي الأوجه:

-      الاكتواء بنير المستعمر.

-      المشاركة في الثورة التحريرية.

-      متعة الحياة في ظل الاستقلال.

    ولـم يكن الجهاد يوما عبارة عن بطاقة أو تزكية يتحصَّل عليه المرءُ من هنا أو هناك، بل هو العمل في الميدان لإعلاء كلمة الله، والذود عن الوطن، وعمارة الأرض، والسعي في الأرض لقوت العيال، ولن يكون المجاهد مجاهدا إلاَّ بالنية الصادقة التي تملأ قلبَه، وتحرِّك جوارحَه.

    من هؤلاء المجاهدين المخضرَمين، صاحب الجهادين، السيِّد الفاضل: الحاج عمر بن عيسى لعساكر، أصيل مدينة بريان، بولاية غرداية.

    ولد في يوم: 25 أفريل 1941م، بمدينة بريان، أوَّل ما رأى نور الحياة في وسط المدينة، بــــ: شارع أَزْﭬَـــــاﭪ لْمَحْـﭭَــنْ.

    نشأ في أحضان والدَين صالحين، مستقيمَين، متمسِّكَين بدين الله، ونهج الحقِّ والاستقامة، حريصَين على الكسب الحلال، وعمارة المسجد، وتلاوة القرآن.

    لـمَّا بلغ سنَّ التمدرس التحق بالكتَّاب (المحضرة) لحفظ ما تيسَّر من القرآن الكريم على يد الشيخ: سليمان بن بابه كرُّوشي (رحمه الله)، ثمَّ التحق بمدرسة "الفتح" للاستزادة في حفظ القرآن، وتعلُّم مبادئ اللغة العربية وآدابها، وما يجبُ أن يُعلم من الدين بالضرورة من فقه، وسيرة نبويَّة، وتاريخ إسلاميٍّ مجيد، على يد الأساتذة الأفاضل:

-      الشيخ: عبد الرحمن بن عمر بكلِّي. (البكري).

-      الأستاذ: محمَّد بن بالحاج ابن يامِّي. (الدكتور).

-      الأستاذ محمَّد بن امحمَّد أولاد داود. (البرياني).

-      الحاج يوسف بن حمُّو ابن زايط.

    وموازاة لدراسته في المدرسة الحرَّة القرآنية "الفتح"، التحق بالمدرسة الرسمية الفرنسية، فتعلَّم فيها مبادئ اللغة الفرنسية، والحساب، والتعبير، حتَّى وصل إلى شهادة نهاية الدراسة (Fin des Etudes).

    وبعد ذلك، توجَّه في سنة 1956م إلى ميدان العمل والكسب الحلال، فكانت البداية من الجزائر العاصمة، وشاء الله أن يكون عمله في محلِّ الإخوان المجاهدين آل: "محمَّد، وسليمان، وحمُّو، ابن عيسى العطفاويين" الذين وضعوا محلَّهم التجاري الكائن في "شارع ريشيلي، فرّثوخي سابقا" في خدمة الثورة التحريرية الجزائرية، فكان من المراكز الرئيسية للثورة، يجتمع فيه قادة الثورة ورجالها، وفيه تُـطبع البيانات والمنشورات المختلفة؛ وللمجاهد الحاج عمر لعساكر ذكريات كثيرة في المحلِّ مع قادة الثورة، منهم على سبيل المثال: المجاهد يوسف بن خدَّه، وعبَّان رمضان، والعربي بن مهيدي، ... وغيرهم.

    فكان وهو شابٌّ عامل نشيطٌ في المحل، يشاهد ويجالس ويخدم أبطال الثورة ومسؤوليها وقادتها، فيحفظ أسرارهم، ويؤتمن على الوثائق والمنشورات، ويواجه مداهمات الجيش الفرنسي ومخبريهم، فإنَّ ذلك لعمري بطولة منه وجهاد بثبِّت له عند الله أجره (الجهاد) أكثر ممَّا يثبِّته له مسؤول، أو وزير، أو شهادة بشر، أو بطاقة.

    ولبثَ المجاهد: يوسف بن خدَّة يذكر تلك السنوات والأيَّام سنواتٍ بعد الاستقلال، فقد زاره السيِّد الحاج عمر مرَّة إلى بيته بحيِّ حيدرة في الجزائر العاصمة، يستذكره ويستشهده عن تلك الفترة، فذكَّره ابن خدَّة بيومٍ من أيَّام الاضراب من سنة 1957م، فقال له بعد أن تعرَّف عليه جيِّدًا: أتذكر يوم كنَّا مع أصحابنا من القادة والمجاهد ابن عيسى العطفاوي، وحاول الجنود الفرنسيُّون اقتحام المحل بكسر الباب، ولـمَّا لم يستطيعوا حاولوا كسر الباب الجاني للمحل ودخلوا المحلَّ بالفعل، ومع ذلك نجونا جميعا، بفضل حنكتكم، ورباطة جأشكم وحسن تصرُّفكم.

    وفي نهاية الستِّينيات وبداية السبعينيات من القرن العشرين الماضي، تعرَّف عليه: الحاج محمَّد اشقبقب (رحمه الله) عن طريق الفاضل: الحاج محمَّد بن قاسم كاسي وصالح (رحمه الله) الذي كان صديقا للحاج عمر منذ الصبا، فرغب الأوَّل أن يدعو الحاج عمر للعمل معه في قسنطينة، فكانت السنوات التي قضاها هناك حياة جميلة وسعيدة، أفادته روحيا، ومعنويا، ومادِّيا.

    فقد كانت السنوات التي قضاها في محل اشقبقب من جميل الذكريات التي حفظتها ذاكرته ولا ينساها أبدا، فصاحب المحلِّ (لَـمْعلَّمْ) كان خلوقا، طيِّبا، ذو تعامل أخلاقيٍّ راقٍ، فكان من روَّاد المسجد بشكل يوميٍّ؛ وبين المسجد والمحلِّ تعرَّف على الكثير من الناس الطيِّبين المتميِّزين بالعلم والثقافة والأدب، منهم على سبيل المثال: الحاج محمَّد بن إبراهيم أطفيَّش (رحمه الله) المعلِّم بمدرسة الهدي، والقائم على مسجد المزابيين بعاصمة الشرق الجزائري.

    وبعد سنوات ممتعة قضاها في مدينة قسنطينة، ارتقى بإرادة من الله تعالى إلى الجزائر العاصمة بدعوة من السيِّد الفاضل: الحاج حمُّو أشقبقب (رحمه الله) للعمل معه في مصنع القماش الكائن بمدينة الرويبة، وفيه قضى سنوات جميلة ازداد فيها خبرةً ومعرفةً في ميدان الصناعة بعد ميدان التجارة، في جوٍّ أخويٍّ وسط العمل مع صاحب العمل وأبنائه وكافَّة العمال فيه إلى غاية سنة 1978م.

    وفور عودته إلى مسقط رأسه "بريان"، دعته مصالح الحالة المدنية لبلدية بريان للانضمام إلى مكاتبها، فجلس خلف أحد شبابيكها ابتداء من سنة 1979م، إلى سنة 1999م؛ فهي عشرون عاما قضاها في خدمة المواطن البرياني، بالمعاملة الحسنة، والكلمة الطيِّبة، والوجه البشوش، في زمنٍ عزَّت وندُرت فيه مثل هذه المعاملة.

    ولا أنسى محلَّه التجاري الذي مارس فيه التجارة الشارع طالبي أحمد ببريان في المكان المسمَّى الآن الرمـپـوان (Le Ron point) ولا زلتُ أذكر وأتذكَّر جلسته الهادئة والمصحف الشريف مفتوح بين يديه يتلو ويحفظ آياته الكريمة، كان ذلك المشهد آنذاك -ولا يزال راسخا بين ناظري- قد ترك في نفسي رغبة دائمة للاقتداء به، وعرضه مثلا للتجار والعاملين وكلِّ مسلمٍ ليجعل القرآن الكريم أنيسه ورفيقه حيث حل أو ارتحل.

    ومن ذلك المتجر، دعته الهيئة الدينية "حلقة العزَّابة" للانضمام إليها في سنة 1984م، وفيها كُلِّف بمهمَّة "الأذان" نائبا للمؤذِّن القدير: الحاج إبراهيم بن أحمد كولَّه (حفظه الله)، ثمَّ أصبح "المؤذِّن الرسمي" في البلدة إلى يومنا هذا.

    وبحساب بسيط، نجد أنَّ الفاضل: الحاج عمر لعساكر (حفظه الله) قد قضى عضوا في حلقة العزَّابة ثمانية وثلاثين عاما (38) إلى يومنا هذا (1984م-2022م)، إنَّها أربعة عقودٍ إلاَّ سنتين، كان خلالها الحاج عمر أحد أعضاء الحلقة من عمَّار المسجد في الصلوات الخمس، ومن المرابطين القلائل في المسجد ينتظر الصلاة إلى الصلاة، ومن المتصدِّرين الدائمين لمجلس تلاوة القرآن اليومية.

    هذا، إضافة إلى المهمَّة الشرعية النبيلة المتمثِّلة في إقامة "فريضة الأذان"، قام بها منضبطا وملتزما بمواقيتها الشرعية، لا يتخلَّف عنها أبدا، ليلا ونهارا، صباحا ومساء، صيفا وشتاء، ربيعا وخريفا، حرًّا وبردا، لـم يغب عن النداء "حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح" إلاَّ لعذر قاهر كالسفر أو المرض؛ فهو أوَّل الوالجين إلى المسجد، وآخر الخارجين منه.

    سيِّدي الفاضل: الحاج عمر بن عيسى لعساكر، أطال الله عنقكَ يوم القيامة: -"المؤذِّنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة"-، ورفع مقامَكم في الآجلة، كما رفعه لكم بين الناس في العاجلة، وحفظكم للأمَّة مؤذِّنا لها للصلاة، ومناديا لها للفلاح، وقدوة ومثلا للشباب في الاستقامة والصلاح، وعمارة المسجد، ومجالس التلاوة. آمين.

 

بقلم: يوسف بن يحي الواهج

يــــوم: 04 نــــوفـــــمبر 2022م

هناك تعليق واحد:

  1. كلف بمسؤولية الأذان في سنة 2013 كمسؤول أول خلفا للحاج ابراهيم كولة أما قبل 2013 فقد كان مستخفا رب العالمين اتحفظ

    ردحذف