الخميس، 8 سبتمبر 2022

شخصيات: الأستاذ الفاضل: قاسم بن عمر لعساكر

 

الأستاذ: قاسم بن عمر لعساكر

    أستاذي الفاضل: كلَّما حاولت الكتابة عنكم أداء لواجب الوفاء نحوكم، واعترافا بفضل أبوَّتكم العلمية التربويَّة لي، أجد نفسي أحجم عن ذلك مخافة أن أقصِّر في حقِّكم، فما أصعب أن يكتب تلميذ مثلي عن رجل كاد أن يكون رسولا مثلكم.

    ولكنَّ واجب الوفاء، والاحترام، والتقدير، والاعتراف بجميلكم نحو شخصي الضعيف، كما نحو جيلي، والأجيال من بعدي، يدعوني إلى كتابة بعض الحروف في حقِّكم، والتعريف بكم بفخرٍ واعتزاز لأبنائي وأبناء البلدة الكريمة.

    أستاذي المثل الأعلى: أقف أمامكم اليوم لأقدِّم لكم واجب الوفاء والتبجيل، كيف لا؟ وقد عرفتُكم بكلِّ صدقٍ خيرَ معلِّم علَّم بالقلَم، وأخرج هذا العقل من ظلماته، وغرستم ف
يه من الفضائل والمكارم قدوةً ومثَلاً ما قرَّبه للقمَّة والكمال "والكمال للهِ وحده".

    مثَلي وقدوتي: اسمحوا لي أن أستقرئَ اليوم سيرتَكم الذاتية، لأقتبس منها معالِـم أرسم بها طريقي في الحياة، وأقدِّمها مسارا وسبيلا لأبناء صلبي، وأبناء قومي يسيرون من خلالها على خطاكم خطوا بخطوٍ، وقدَما على قدَمٍ.

    فابسمي واسم كلِّ زملائي الذين تتلمذوا على يديكم، وبكلِّ فخرٍ واعتزازٍ وتقديرٍ وامتنان، أقدِّم اليوم إلى كلِّ العالَـم، أستاذي وقدوتي، الذي علَّمني فأحسنَ تعليمي، وإليه وإلى أمثاله من المعلِّمين الصالحين المخلصين يعود فضل وأجر كلُّ حرف تخطُّه يميني، أو قرطاس يملؤوه يراعي، إنَّه:

    الأستاذ قاسم بن عمر لعساكر، من مواليد مدينة بريان في: 18 نوفمبر 1938م، نشأ وترعرع في أحضان أسرة متواضعة مكافحة، محبَّـة للعلم والعلماء، ملتزمة بشرع الله تعالى ونهج الحقِّ والاستقامة، وفيها نشأ لحمه على القوت الحلال، وتفتحت عيناه منذ الصغر على الحلال والحرام، وأهمِّية الكسب الحلال والمثابرة والطموح.

    التحق في سنة 1954م "بمدرسة الفتح القرآنية" حيث تلقَّى ما ينبغي أن يتعلَّمه المرء في بداية حياته، من القرآن الكريم، والحديث النبويِّ الشريف، وما يُعلَم من الدين بالضرورة، فكان التلميذ النجيب أمام المشايخ الأفاضل:

·       الشيخ صالح بن يوسف لبسيس.

·       الشيخ محمَّد بن أمحمَّد أولاد داود (البرياني).

·       الشيخ محمد بن بالحاج ابن يامي (الدكتور).

·       الشيخ عبد الرحمن بن عمر بكلي (البكري).

    وتحت وطأة الحرب العالمية الثانية (1938/1945)، واندلاع الحرب التحريرية (1954/1962)، والظروف المعيشية الصعبة اضطر إلى الانقطاع عن الدراسة رغم صغر سنه، وتوجَّـه إلى ميدان التجارة التي قضى فيها أحد عشر عاما، بين الجزائر العاصمة، والبليدة، وقسنطينة.

    ورغم ذلك، كان يقتطف من وقت راحته لمتابعة دروس خصوصية لدى: الشيخ بانوح بالمدرسة الحرَّة التابعة للجماعة الإباضية في البليدة.

    وفي عام 1962م، غداة استقلال الجزائر، اتَّصل به بعض من أعيان بلدة بريان ووجهائها، منهم المجاهد السيِّد الفاضل: أرشوم الحاج حمو بن عيسى، طالبين منه الرجوع إلى بريان بعد موافقة والده السيِّد عمر بن الحاج سليمان رحمهم الله، لأنَّ البلدة في حاجة ماسَّة إلى أبنائها فلـبَّى نداء الواجب، وعيِّن كاتبا لممثِّل الدولة (كوميسار) مدَّة سنة، ولكنَّ ميوله الأدبية، وحبَّه للعلم، دفعه إلى الاتجاه إلى التعليم، فكان ضمن الرعيل الأوَّل من المثقَّفين الذين سدُّوا الثغور في ميدان التعليم بعد أن غادرها الفرنسيَّون.

    فرابط في ثغر التربية والتعليم من ذلك الحين إلى حين تقاعده سنة 1998م، بعد خمس وثلاثين سنة قضاها بشرف في أشرف مهنة، مهنة الأنبياء والرسُل.

    خمسٌ وثلاثون سنة، مرَّ خلالها على مراحل عديدة في إطار التربية والتعليم، تكوينات، وتدريبات، وترقيات كريمة وشريفة، منها:

·       ففي فيفري 1963م شارك في مسابقة اثبات المستوى (الممرنين) بالبليدة من تنظيم وزارة التربية والتعليم.

·       وفي جويلية 1964/1965م، شارك في تربصٍ بمدرسة تكوين المعلِّـمين ببوزريعة.

·       عيِّن في شهر سبتمبر 1964/1965م ممرِّنا تربويا في "قرية لزرق" بولاية الوادي.

·       وفي نفس السنة 64/65 عُيِّن بمدرسةٍ ابتدائية بحيِّ مرماد في غرداية.

·       انتقل إلى مسقط رأسه بريان ممرِّنا مساعدا بمدرسة الأمير عبد القادر الابتدائية.

·       شارك في امتحان شهادة الأهلية فرقِّي إلى معلِّم مساعد.

·       في السنة الدراسية 1968/ 1969م، استفاد من تكوين لنيل شهادة الكفاءة العليا بجزأيها.

·       في السنة الدراسية 1969/1970م، عيِّن معلِّما مساعدا في أوَّل مدرسة دشِّنت بحي "كاف حمُّودة" في بريان.

·       وفي السنتين الدراسية (1972/1973م)، و (1973/1974م) عيِّن مدرِّسا مرسَّما بمدرسة البنات القديمة ببريان.

·       في السنة الدراسية 1974/1975م عيِّن مديرا لابتدائية "مدينة زلفانة" الوحيدة آنذاك لمدَّة أربع سنوات.

·       واستقرَّ به الحال مديرا لابتدائية حي "بابا السعد" ببريان، من سنة (1977/1978م) إلى سنة (1997/1998م).

ثلاثة عقود كاملة وزيادة، قضاها الأستاذ الفاضل: الحاج قاسم لعساكر، معلِّما مثاليا، ومربِّيا مخلصا، وناصحا صادقا؛ ونشطًا ثقافيا واجتماعيا، يكوِّن ويدرِّبُ، وينشئ أجيالا بالقدوة والمثالية، بأنشطة ثقافية وأدبية ومسرحية، تغرس في الناشئة القيم الإسلامية والاجتماعية والوطنية.

    من ذلك على سبيل المثال:

·       مشاركة مدرسة بابا السعد في النشاط المسرحي على المستوى الجهوي بولاية الجلفة.

·       مشاركة المدرسة نفسها في أنشطة مسرحيَّة بمدينة زلفانة.

·       القيام بالزيارات الميدانية، (المنطقة الصناعية بحاسي الرمل)، (خارج الجزائر لفائدة التلاميذ النجباء والمتفوِّقين تشجيعا لهم)، (تبادل منظَّم بين مؤسَّسة بابا السعد ومؤسَّسة لي كومبات، شومبانيول شرق فرنسا).

هذا هو أستاذي الذي أفتخر به، وأمتنُّ له بما قدَّم لي من علم ومعرفة، بشخصيته المثالية التي لا تفارق ناظريَّ إلى يومي هذا، فقد ارتسمت له في عقلي الباطن صورة المعلِّم الأنيق، المنظَّم، البشوش، صاحب القول الحسن، والخُلُق الكريم، والقلب السليم.



وقد صدق والله من قال: "من علَّمني حرفا صرتُ له عبدا"

حظكم الله أستاذي، رمز افتخاري واعتزازي

 

ابنكم وتلميذكم البار: يوسف بن يحي الواهج

الجزائر: 08 سبتمبر 2022م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق