الاثنين، 3 فبراير 2025

من ثمرات الكتب: رحلة حاجّ

 

رحلة حاج

 

    من أنواع الأدب، أدب الرحلات، وهو لعَمري من أجمل الكتابات، وأرقى الهوايات، وهو بين المطالعات من أمتع القراءات.

    وهذا الكتاب "رِحلَةُ حَاجّ" ليس ككلِّ كتاب، ومؤلِّفه ليس كغيره من المؤلِّفين، ولا الذي قام بتحقيقه أجهل كفاءته وقدرته وإتقانه.

    ويعلمُ الله كم فرحتُ وسعدتُ بالكتابِ "رحلة حاجّ" عندما تسلَّمته هديَّة من الأستاذ المحقِّق مشكورا، لأنَّ الكتاب عن إحدى الرحلات الحجازية التي أعشقها وأتمتَّع بقراءتها، وقد خبرتُ متعتها مع رحلات حجازية أخرى قام بتحقيقها الدكتور: "يحي بن بهون الحاج امحمَّد" حفظه الله.

    وصاحب الرحلة وكاتبها "الشيخ عدُّون" رحمه الله كان يوما أستاذي ومعلِّمي وكنتُ محظوظا جدًّا بعضا من السنوات من عقد السبعينيات من القرن العشرين الماضي.

    ومحقِّق الكتاب الأستاذ: "محمَّد بن الحاج أحمد جهلان" عرفته علَما في اللغة، والأدب، والبلاغة، وجمال الأسلوب وسلاسته.

    وعندما فتحتُ الكتاب، وبدأت القراءة فيه من المقدِّمة ابتداء، كما تعلَّمتُ وألفتُ ودأبتُ في مطالعاتي، وجدتُ نفسي مشدودا إلى إتمام القراءة رغم تأخُّر الوقت من الليل، سلبني الأسلوب العربيُّ الفصيح السلس، وحكاية المحقِّق عن مساره في تحقيق المخطوط، ودفعتني الرغبة في التعلُّم والاستفادة من طريقته ومنهجيته في التحقيق الذي برع فيه وأتقنه أيَّما إتقان.

وقد ووُفِّق الأستاذ المحقِّق في قراءة النصِّ المخطوط لــــــ: "الشيخ عدُّون"، فاستطاع استخراج عبرٍ مفيدة من الرحلة الحجازية المقدَّسة، وأكملها بالشروحات والإحالات التي تجعل القارئ يعيش مع الشيخ المؤلِّف رحلته ومشاعره.

    ولم يفُته أن يعرِّف القارئ الكريم بالشيخ عدُّون (رحمه الله)، في سبع صفحات كاملة، خاصَّة للأجيال الحاضرة التي تجهله تماما، ويجهل تلاميذهُ الكثيرَ عنه.

    كما بَرعَ وأبدع في إخراج المخطوط من "الكرَّاس المسودَّة"، ومن أعداد "جريدة الشباب"، ثمَّ "الكراس المعتمدة"، وأحسنَ اختيار ورقها، ونوعية خطوطها، وأحسن تنسيقها وتزيينها،

    فجزاكم الله أستاذنا المحقِّق خيرَ الجزاء عن جهده في هذا العمل المتميِّز جدًّا جدًّا.

    ولـمَّا بدأتُ قراءة النص الذي تركه المؤلِّف "الشيخ عدُّون" رحمه الله، غمرتني غِبطة وسعادة كبيرة، اكتشفتُ فيها أستاذي ومعلِّمي وشيخي من جديد، وقد كنتُ أجلس أمامه في القسم أتلقَّى منه مادَّتَي النحو والأخلاق.

    قرأتُ ولا زلتُ أقرأ النصَّ والشيخ ماثل بين ناظريَّ، أقرأ كلماته كأنَّه ينطقها أمامي، وبوصفه البليغ ليوميات رحلته والمشاهِد التي عايشها وشاهدها جعلني أعيش أحداث الرحلة كأنَّني معه أسمع وأرى.

    حديثي عن هذا الكتاب القيِّم "رحلة حاجّ" لا ينتهي، والمشاعر التي تصحب كل حرفٍ، وكلمةٍ، أو جملةٍ، أو فقرةٍ، أو صفحة أقرها لا توصفُ والله، ولا أجد العبارات التي تصوِّرها، ولا المعاني التي أوصلها إلى من حولي.

    لهذا، لم أستطع، ولا أريد أن ألخِّص الكتاب، فأدعو كلَّ قادر على القراءة والمطالعة إلى قراءة الكتاب كاملا، من الغلاف إلى الغلاف، ففيه كلُّ خير وفائدة، فيه اللغة، والتعبير، والأسلوب، والوصف، والمنهج، والتحقيق، والاستنباط، ...

    وفيه القدوة الجيِّدة للمسافر في كتابة وتوثيق رحلاته مثلما فعل شيخنا الفاضل رحمه الله، فها هي رحلته بعد تسعة قرون تقريبا تصدرها "جمعية التراث" في هذا الكتاب القشيب، وأصبحت معلما توجيهيا لمسافري الألفية الثالثة؛ فمن الممكن جدًّا أن تفعل مثل هذا في أسفارك، إذا كانت ذات أهداف نبيلة ورسائل راقية؛ فالشيخ بتوثيقه رحلته هذه، كان معلِّما لنا في مجال الكتابة الأدبية، وأدب الرحلة خاصَّة، وبها دام معلِّما حتَّى بعد ارتقائه.

    فرحم الله شيخنا الفاضل: "الشيخ سعيد بن بالحاج شريفي (الشيخ عدُّون" رحمه الله، وجزاه عنَّا نحن تلاميذه، وطلاَّب العلم في كلِّ مكان وزمان خير الجزاء، وأسكنه فسيح الجنان.

    وشكرا مرَّة أخرى للمحقِّق "الأستاذ محمَّد جهلان"، ولـــ: "جمعية التراث" ناشرة العمل الأدبي الراقي.

بقلم: يوسف بن يحي الواهج

بريان: 03 فيفري 2025م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق