مَنَّة بنت بُــــكَّر عمر أيُّوب
والحِرفةُ الوقفُ
أتقنت (رحمها الله) كلَّ الصنائع التقليدية -ولا أظنُّني مبالغا- التي كانت منتشرة ومعروفة ومطلوبة في المجتمع المزابيِّ، مثل النسيج بكل أنواعه وأشكاله، الثقيل الملوَّن منه كالأفرشة والستائر، والخفيف ذي الألوان الوحيدة كالحايك الخاص بالنساء (أحولي) وملابس الرجال كالبرنوس والقشَّابية وغيرهما، والأغراض الأخرى المستعملة في البيت المزابي الأصيل، كالمنديل (أمنديل)، والشال، ومعاليق قرَب الماء (تِعضَّاضِّين)، وحبال المنسج (أَزَلُّومْ، تَسَفْرَسْتْ)، ... وغير ذلك.
هذه المرأة
الصالحة المكافحة بصبرٍ ومثابرة، وجدت نفسها في أواخر عمرها وحيدة، دون أطفال أو
بنات ولا أحفاد، فكانت تنادي في كلِّ مجمعٍ وتجمُّع نسويٍّ قائلة:
-"رجاء أيَّتها النساء والبنات،
تعالينَ أعلِّمكُـنَّ صنعتي وحرفتي حتَّى تستفدنَ منها، وترحمنَني وتترحَّمنَ
عليَّ فلا وُلد لي يترحَّم عليَّ بعد وفاتي"-
وقد كان لها
ذلك يرحمها الله، فقد أخذ حِرفتها الكثيرُ من النساء، فاشتغلنَ بها في حياتها وبعد
وفاتها، واستفدن منها مادِّيا بتزويد أسواق البلدة بالمنتجات الجميلة المتقنة، وأُسَريا
بما صنعن لبناتهنَّ وحفيداتهنَّ من أغراض ضرورية لزواجهنَّ وأفراحهنَّ.
وأنا أشهد
على هذا، وأعلم العديد من النساء في محيط البيئة الاجتماعية التي نشأتُ فيها، أخذن
صنعتهنَّ من هذه المرأة الفاضلة، وكنَّ يترحَّمن عليها ويسألن الله تعالى أن
يرحمها ويجازيها خير الجزاء، أمام كلِّ إنجازٍ يقمنَ به.
ومن هؤلاء النساء، أذكر على سبيل المثال لا الحصر: والدتي الكريمة "منَّة بنت قاسم موسلمال"، والسيِّدة الفاضلة: "منَّة بنت سليمان سعودي"، ... وغيرهنَّ كثير. (رحمهنَّ الله)، وهؤلاء قد ورَّثن هذه الحِرف لبناتهنَّ وحفيداتهنَّ ومعارفهنَّ.
بربِّكم أيُّها القرَّاء الكريم، أليس هذا نوعٌ من أنواع "الوقف" المفيد للإنسان والمجتمع؟ أليس هو من "الوقف الاسلاميّ"؟ أليس جميل أن نستلهم من تجربة السيِّدة: "منَّة بنت بكَّر عمر أيُّوب" أمثال هذه الأفكار التي ترتقي بالوقف الإسلامي الاجتماعي؟
بقلم: يوسف بن يحي الواهج
الجزائر: 14 مارس 2025م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق