فارس بني مزاب
شجاعة وقيم وتاريخ
قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم –"الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَهْلُهَا مُعَانُونَ عَلَيْهَا، فَامْسَحُوا بِنَوَاصِيهَا،
وَادْعُوا لَهَا بِالْبَرَكَةِ، وَقَلِّدُوهَا، وَلَا تُقَلِّدُوهَا بِالأَوْتَارِ-".
قال عمر ابن
الخطَّاب رضي الله عنه: -"علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب
الخيل"-.
قال عبد الله بن عبَّاس: أحبُّوا الخيلَ
واصطبروا عليها *** فـــإنَّ العـــــزَّ فِـــــيها والجَمالاَ
عرف المواطن الجزائري قديما "الخيل"
أو "الفَرسَ"، وسيلة للنقل، والتنقُّل، ومركوبا للحرب دفاعا
وهجوما عند الضرورة، وأمر الإسلامُ الرجلَ المسلمَ أن يتعلَّم ويعلِّم أولاده ركوب
الخيل والرماية والسباحة، تمكينا لرجولته وفحولته، ولغرس الشجاعة والإقدام فيه،
حتَّى أصبح الرجل يُمدح بفروسيته، وإقدامه، وإتقان اعتلائه الفرس، وحسن سياسته.
وقد سجَّل التاريخ، وكُتب الأدب الكثير من روائع
القصص، وغرائب الأحداث، وجميل المقامات الأدبية، والقصائد الشعرية، حول الفرس وعلاقته
بصاحبه، أو الفارس والحبِّ الذي يجمعه بفرسه.
من ذلك على سبيل المثال لا الحصر، فرقة "الشيخ
باحيُّو بن موسى العطفاوي" الذي رابط بفرقته من الفرسان المزابيِّين في
السواحل الجزائرية دفاعا عن الوطن، والمشاركة في الدفاع عن جزيرة جربة عندما أراد
الاسبان الهجوم عليها سنة 1510م؛ وغير ذلك من الصفحات المشرقة للفروسية المزابية.
وبقي نصيب منها إلى عهدٍ قريب في مزاب خلال
الفترة الاستعمارية الفرنسية، تمثَّل في فرسان اليقظة لحماية المحاصيل الزراعية،
وثمار النخيل والمنتجات الفلاحية في ضواحي المدن، وكذلك حماية قوافل التجارة والتجَّار
العائدين من مدن الشمال؛ ويُذكر من الفرسان الأقوياء المهرة أعضاء في حلقات العزَّابة.
(يُنظر كتاب "فارس العزابة" كنموذج).
وعند شيوع المراكب الحديثة من سيارات
وقاطرات، غابت الخيول وترجَّل الفرسان وانسحبوا عن الميادين، فكادت أن تنعدم الخيالة
والفروسية من المجتمع المزابي، حتَّى ظهر بعض الاهتمام بها من الشباب هنا وهناك، ويزداد
الاقبال عليها يوما بعد يوم، وتأسَّست لذلك جمعيات وجماعات ومؤسَّسات لتعليم
وتدريب الناشئة الصغيرة على الفروسية والخيالة.
ولكن، ولكن، ظهور هذا الاهتمام بعد غياب
عقود من الزمن عن الميدان، وعدم اهتمام كتب التاريخ بالفروسية، وأبطالها، وطرق
التدرُّب عليها، وسيَر تربية الخيول والتعامل معها، ولباس وعادات الفرسان عليها،
جعل شباب اليوم في حيرة من أمرهم، خاصَّة في لباس الفارس، اللباس الذي بشكله يثبتُ
شخصية "الفارس المزابي"، وقيَمه الدينية والأخلاقية والاجتماعية.
لهذا نجد اليوم اختلافا كبيرا بين فارس مدينة
غرداية، وفارس العطف، وفارس يزجن، وفارس بريان، وفارس القرارة، ...؛ وما كان ينبغي
أن يكون ذلك لو رجع المهتمُّون والجمعيات إلى التاريخ، واستنطقوا ذاكرات المسنِّين
الحافظين المحافظين على ذاكرة الأمَّة.
وأمام ما ظهر بين ناظريَّ من مشاهد استعراضية
للفروسية، وجدتُ عدَّة أشكال من اللباس، منها:
- الـﭭـندورة البيضاء،
والعمامة الملوَّنة، والبرنوس الأبيض.
- الـﭭـندورة الملوَّنة،
والعمامة الملوَّنة، والبرنوس الملوَّن.
- الـﭭـندورة البيضاء، والشاشية
البيضاء، والبرنوس الأبيض.
- لباس صنف من جيوش الدولة
العثمانية. (نموذج يزجن).
- الـﭭـندورة البيضاء، والطاقية
البيضاء، والحائك الصوفي الخاص بالعزابة. ... إلخ
وأصبح الأمر خارج الحصر والإحصاء.
ولعلَّني أسمح لنفسي بالتطفُّل على هذه
الجمعيات وأصحاب الاهتمام بالفروسية، فأدلي بدلوي مساهمة متواضعة في موضوع لباس
الفارس المزابي، فأقول:
إنَّ لباس المرء ينمُّ عن شخصية وانتماء
المرء، دينيا، واجتماعيا، وأخلاقيا، وقِيَمِيا، لهذا أري ألاَّ يخرج لباس "الفارس المزابي" عن لباسه التقليدي، ممَّـا استعمل ولا
يزال يستعمل ويتواتر في المجتمع؛ وحسب الصور القديمة للرجل المزابي، نجد الـﭭـندورة
البيضاء، والعمامة الملوَّنة بالبنِّي، أو الأصفر المائل إلى الحنَّاء، مع البرنوس
هو السائد آنذاك.
وأرجو أن يُبعِد فرسان اليوم "الحائك الخاص بأعضاء حلقة العزَّابة" لرمزيته الدينية ومكانة
حامليه الدينية والاجتماعية.
هذا رأيي في الموضوع والله أعلم.
بقلم: يوسف بن يحيى
الواهج
الجزائر: 31 أوت 2024م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق