امرأة لزوجها كأمِّ سَلَمة لرسول الله
ستِّي بنت محمَّد بن صالح بودي
إنَّها "ستِّي
بودي" كما نناديها، المولودة في سنة 1925م بمدينة بريان في ولاية غرداية،
أصيلة أسرة أرستقراطية المكانة الاجتماعية، سليلة أسرة صنعت لنفسها مجدا صارت به
الثريا في المجتمع البرياني، بل المجتمع الجزائري ولا أبالغ.
إنَّها "ستِّي
يودي" المحبوبة من الكبير والصغير، ومن القريب والبعيد، تعلَّمت القرآن
الكريم، وواجباتها الشرعية على يد المعلِّمة الفاضلة المخلصة، السيِّدة: "مامَّة
ن عفَّاري" (رحمها الله).
إنَّها
السيِّدة "ستِّي بودي" الحكيمة، التي علَّمتها الحياة ما لـم تعلِّمه
مدرسةٌ أو جامعةٌ لأحد من البشر، كأنَّ قول الله تعالى: ﴿يُؤْتِي الحِكْمَةَ
مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ نزل في
حقِّها.
تزوَّجت رجلا
تحمَّل هموم أمَّةٍ، ووطنٍ، وثورة، إنَّه الرجل العظيم: "محمَّد بن سليمان
بودي" المشهور بـــ: "الغول"، فكانت ظهره المتين، وسنَده
القويّ، وبئر أسراره على عظمتها وخطورتها، وهو النائب الوطني بصدق الوطنية في
المجلس الفرنسي (البرلمان)، كأنَّها والله "أمُّ سلَمة" لرسول
الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
"ستِّي
بودي" حفظت زوجها في عرضه، وفي ماله، وفي أعماله؛ وخدمته في محضره كما في
غيابه، وفي ضيوفه ورفاقه وأصدقائه، بتحضير القِرى السخيِّ الكريم، والفراش الوثير،
والجوِّ الأثير.
فلستُ أدري،
هل أخذت "ستِّي بودي" عظمتها من زوجها "محمَّد
بودي"، أم الزوج هو الذي أخذ العظمة والحكمة من زوجته؟. أو "وافق
شنٌّ طبقة"، فكان كلٌّ منهما كفئا للآخر، أم "الطيور على أشكالها
تقع".
"ستِّي
بودي" هي المرأة الصالحة "الحسنة في الدنيا، الحسنة في
الآخرة"، وهي ذات الدين التي ترِبَت بها يدي زوجها؛ فقد كانت في البيت
زوجة صالحة، وفي الأسرة كأنَّها المدرسة التي أنشأت شعبا طيِّب الأعراق.
لـم تعش يوما
لنفسها، فقد كانت في شبابها كفيلةً شقيقها وشقيقتيها بالرعاية والتربية بعد وفاة
والدتها، ثمَّ المسؤولة الراعية الحريصة المخلصة في تربية أبنائها الثلاثة الذكور
وشقيقتهم والوحيدة، سواء في حياة زوجها الذي كان كثير التنقُّل والترحال، أو بعد
وفاته وترمُّلها وتيتُّم أبنائها.
نعم، لـم تعش
يوما لنفسها، فقد كانت بحقٍّ مجاهدة في سبيل الجزائر بإعداد ما لذَّ وطاب من طعام
وساغ من شراب لمجاهدي جبهة التحرير الوطني، الذين كانوا يفدون على بيت زوجها، وعلى
بيت شقيق زوجها "القائد الطالب عمر بودي" (رحمه الله) إبَّان
الثورة التحريرية الجزائرية 1954/1962م.
نعم، لـم تعش
يوما لنفسها، فقد كانت الطبَّاخة المعتمدة في العائلة الكبيرة من آل بودي، وما
أكثر وأرقى ولائمهم وأعراسهم وأفراحهم، للذَّات طبيخها، وجميل ذوقها، وحسن تدبيرها؛
فكانت لا تغيبُ ولا تُغيَّب عن أيِّ وليمة أو عرسٍ أو فرحٍ عند آل بودي ومن صاهرهم
وجاورهم.
"ستِّي
بنت محمَّد بودي" رحمها الله، ما كتبتُه اليوم عنها، وما قلته أو سأقوله
عنها، هو والله محض الصدق والحقيقة، فأنا أعرفها كما أعرف أمِّي وإخوتي، كانت
صديقة أمِّي وأسرتي، أحادثها كما أحادث أمِّي وتحادثني، وأتردَّد على بيتها كما
تتردَّد على بيتنا بمناسبةٍ أو بغير مناسبة، حتَّى أصبح التزاور بين الأسرتين
فريضة أقرب من فريضة صلة الأرحام.
سيِّدتي
الفاضلة، وأمِّي التي لـم تلدني "ستِّي بودي"، السلام عليك يوم
وُلدتِ، ويوم ارتقيتِ في 28 جوان 2015م، وسلام عليك يوم تبعثين إلى جنَّة الخلدِ
إن شاء الله.
*مصدر بعض المعلومات: الأستاذ بشير بن عمر بودي.
بقلم: يوسف بن يحي الواهج الجزائر: 30 أوت 2024م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق