الاثنين، 26 سبتمبر 2022

شخصيات: الأستاذ الفاضل: محمَّد الناصر حسني

 

الأستاذ الفاضل: محمَّد الناصر حسني


    الاسم الكريم: محمَّد الناصر بن سليمان حسني.

    ولد حفظه الله يوم الاربعاء 08 صفر 1361ه/ 25 فيفري 1942م، بمدينة بريان من ولاية غرداية، ونشأ في بيئة صالحة طاهرة مجاهدة مكافحة في سبيل الله تعالى، لإعلاء كلمة الله، وخدمة المجتمع، ونصرة الحركة الإصلاحية، فيكفي أن يكون والده السيِّد الفاضل: سليمان بن الناصر حُسني (رحمه الله) من مؤسِّسي مشروع التعليم بمدينة بريان سنة 1927م.

    وقد كان الأستاذ محمَّد حسني نتيجة دعوة والده عندما رزقه الله بنتا، بينما كان يتمنَّى أن يرزق بولد ذكر، فأنذر إن رُزق بولد بعد هذه البنت أن يهبَه للعلم، فاستجاب الله دعاءه ورزقه بمحمَّد، وحفظه له حتَّى رآه جندا من جنود الله يدعو إلى الله تعالى بالحسنى والكلمة الطيِّبة.

    بدأ دراسته في مدرسة الفتح بمسقط رأسه بريان، على الشيخ صالح بن يوسف لبسيس، والشيخ صالح الطالب باحمد، والشيخ عبد الرحمن بكلِّي "البكري" رحمهم الله جميعا؛ ثم انتقل إلى القرارة ليواصل دراسته الثانوية مع زملاء له بمعهد الحياة في أواسط الخمسينيات من القرن الماضي، وفيه درس على الشيخ إبراهيم بن عمر بيُّوض، والشيخ سعيد بن بالحاج شريفي (الشيخ عدُّون)، والشيخ الناصر مرموري، والشيخ محمَّد علي دبوز ... وغيرهم.

    وفي شهر ديسمبر من سنة 1962م، سافر إليه وفدٌ من أعيان البلدة، هم:

-      الشيخ بكير بن محمَّد أرشوم.

-      الحاج أحمد بن عمر أوراغ.

-       الحاج سليمان بن الناصر حسنس. والده.

    ليطلبوا منه إنقاذ المدرسة القرآنية ببلدته، المدرسة التي انصرف عنها بعض المعلِّمين إلى المدارس الرسمية لتغطية العجز الذي عرفته إثر الاستقلال وانسحاب المعلِّمين الأجانب، فتركوا تلاميذهم وتلميذاتهم دون معلِّم.

    فلم يكن له أمام أساتذته ووالده إلاَّ أن يوافق، ويقطع تعليمه وهو متعلِّق به، راغب فيه، ولـم يروِ ظمأه منه بعد، بل كانت أحلامه وطموحاته تدفعه إلى الاجتهاد في التحصيل ليزداد علما خارج الوطن.

    ولكن أمام والده ومشايخه من سراة البلدة وأعيان أمَّته لم يستطع أن يقول لا، ولا حتَّى أن يناقش الأمر معهم، فانتقل إلى مسقط رأسه ليتولَّى تدريس البنين والبنات في سبتمبر من سنة 1962م.

    ومنذ ذلك التاريخ كان الجنديَّ الذي يسدُّ الثغور في معركة ضد الجهل والتخلُّف، يعلِّم أبناء المسلمين القرآن الكريم وما لا يسع جهله من الدين، إلى أن بدأ المرض يدبُّ إلى جسده النحيل، وبدأت مواقيته تضطرب مع نظام الدراسة، حين يضطرُّ بزيارة الطبيب للعلاج.

    وقد بدأت هذه المعاناة مع سنة 1980م، فأنهك المرض جسمه كما أفرغ جيوبه، وهو ربُّ أسرة وأب أطفال على عاتقه. بدأت معاناته مع المرض، خاصَّة قرحة المعدة؛ فكان بين مطرقة الضمير وسندان المسؤوليات الثقيلة نحو طلاَّبه وأبنائه ومسؤوليه.

    وبعد خمس سنوات من المجاهدة والمقاومة مع المرض، سافر اضطرارا سنة 1985م، إلى فرنسا ليتلقَّى العلاج هناك، بعد أن أتعبه الأطبَّاء في وطنه بالتردُّد عليهم، وإطعامه القناطير من الأدوية والبراشيم المختلفة، ولـمَّا عاينه الطبيب الفرنسي وعرف منه أنَّه يمتهن التدريس، منعه عن العودة إلى التدريس نهائيا.

    وأمام هذه الوضعية الصحِّية، والوضعية الاجتماعية، أرَّقه التفكير في العمل الذي يحفظ له ماء وجهه، ويحظ له كرامته، ويسدُّ رمقه ورمق من على كاهله، وهو الذي كان قد قضى عمره في التعليم والتدريس فقط، ففكَّر أن يتعلَّم الضرب على الآلة الراقنة ليتَّخِذ منها وسيلة قوتٍ لعياله، فتولَّى الكتابة في إدارة المدرسة باللغة العربية والفرنسية، مع مهمَّته الأساسية في التدريس رغم منع الطبيب.

    وقد كان لا يفتأ يطلب من إدارة جمعية الفتح، ومسؤولي المدرسة إعفاءه عن التدريس أخذا بأوامر الطبيب، وحفاظا على صحَّته، ولكن الإدارة كانت ترفض الطلب في كلِّ مرَّة.

    وهذا ما جعله يستقيل عن التدريس مكرها سنة 1986م، لينتقل إلى العمل في شركة "FABS" المتخصِّصة في صناعة الأدوات المدرسية والمكتبية.

    ومنها انتقل إلى مكتب التوثيق للأستاذ: يوسف بن صالح تربح (رحمه الله)، فاشتغل كاتبا فيه إلى حين تقاعده سنة 1990م.

   وبعد التقاعد طلب منه الأستاذ: محمَّد بن بكير أرشوم (رحمه الله) أن يعود إلى المدرسة ليتولَّى الكتابة في إدارتها، فمكث كاتبا فيها حتَّى أقعدته عن العمل أمراض الشيخوخة والكبَر كالنسيان والزهايمر.

    كان المعلِّم الأستاذ: محمَّد الناصر حسني (شفاء الله تعالى)، يتميَّز بخصال هي اليوم نادرة جدًّا في أجيال اليوم من المعلِّمين والأساتذة في مختلف المدارس، نذكر منها على سبيل المثال:

 

01-       البرُّ الصادق بوالديه وأساتذته ومشايخه.

02-       الوفاء لمدرسته الأولى ومؤسَّسات مجتمعه العرفية.

03-       انضباطه والتزامه بالمرجعية الإصلاحية التي نشأ عليها وتربَّى في أحضانها.

04-       الحرص على العيش بكدِّ يمينه وعرق جبينه وفق الطرق والوسائل الحلال.

05-       الأداء الحسن المخلص لمهمَّة التدريس في مدرسة الفتح.

06-       الخطُّ الجميل على مختلف فنونه (النسخ، والرقعة، والثلَّث، والفارسي، ..).

07-       الحضور الدائم لجلسات المعلِّمين والأساتذة مع مسؤولي جمعية الفتح الراعية للتعليم الديني بالبلدة.

08-       الحضور والمشاركة الفعَّالة لمختلف الأنشطة المدرسة العلمية والثقافية.

09-       مشاركة المجتمع تضحية وتعاونا في المناسبات الدينية والاجتماعية والوطنية وسائر الاحتفالات.

10-       النشاط والحماس في عشيرته وتحمُّل مسؤولياته الثقافية والاجتماعية فيه.

 

    في الحقيقة لا ينتهي الحديث عن الأستاذ الفاضل محمَّد حسني، وما أوثِّقه اليوم هنا ليس كل ما قام به في حياته، فـلم أذكر هنا شيئا عن طفولته ونشأته الأولى، ولا عن مساره الدراسي بتفصيل يشفي غليلي، كاستظهاره القرآن الكريم، ودراسته في المدرسة الرسمية، ونشاطه الثقافي والأدبي في القرارة، إلى غير ذلك من الجوانب المتعدِّدة لشخصيته الكريمة.

    وقد لخَّص فضيلة الشيخ محمَّد بن بكير أرشوم (رحمه الله) مكانة الأستاذ حُسني في المجتمع وبين زملائه بقوله: -"الأستاذ حُسنِي رجلٌ أكلنا صِغَره"-.

    آثره الله إلى جواره مساء يوم الاثنين 30 صفر الخير 1444ه، الموافق ليوم 26 سبتمبر 2022م، بعد مرض عضال أقعده الفراش سنينا، وأبعده عن أبنائه وتلاميذه من الذكور والاناث وما أكثرهم، هم اليوم يبكونه بحرقة أبناء صلبه، نحو والدهم ومربِّيهم ومعلِّمهم، وبعد جهادٍ خلَّده، كجهاد الأنبياء والرسل في ميدان التربية والتعليم.

 

"رحم الله معلِّمنا وجزاه عن كلِّ تلميذٍ لقَّن له آية أو حديثا خير الجزاء"

 

*المعلومات هنا عن نجله الكريم: سليمان، أكتوبر 2017م

 

بقلم: يوسف بن يحي الواهج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق