الخميس، 18 أغسطس 2022

شخصيات: المهندس: عومر بن بابا بن موسى، ابن يامي

 

المهندس: عومر بن بابا بن موسى، ابن يامِّي


    هو الأستاذ المهندس: عومر بن بابا بن موسى، ابن يامِّي، المشهور بـــــ: "لَــمْرَابَطْ" وهو فرع من العائلة الكبيرة "آل ابن يَـامِّي" الساكنة في مدينة بريان من ولاية غرداية.


v  مولده ونشأته:

    ولد بمدينة بريان، يوم السبت 13 ربيع الثاني 1370ه، الموافق ليوم 20 جانفي 1951م؟ من صلب أبٍ مسلمٍ صالحٍ ملتزم بدين الله تعالى، متمسِّك بسيَر أهل الحقِّ والاستقامة، وهو: الفاضل الكريم: بابا بن موسى بن عومر بن الحاج صالح (رحمه الله).

    ومن رحمِ أمٍّ مسلمة صالحة على إسلام العجائز الخالي من أيِّ فلسفة عقيمة، أو تيَّار وافدٍ، تعرفُ ربَّها، ويعرفها ربُّها، تشرَّبت العقيدة صافية كالحليب من صدر أمِّها، فكانت نسيج عقلها وقلبها، إنَّها الفاضلة الصالحة: مريامة بنت موسى ابن زايط (رحمها الله).

    فبين الأب والأمِّ الصالحين نشأ الابن عومر، وفي أحضانهما ترعرع، وقضى طفولتَه، وشبَّ عودُه، ومُلئَ قلبُه وعقله وجسده بكلِّ كريمة وفضيلة، سلمَ جسدُه من أكل السحتِ عندما تحرَّى أبواه الكسبَ الحلال، وسلمَ قلبه من كلِّ ضغينة عندما بذر والداه فيه أن "يُحبَّ لأخيهِ ما يحبُّ لنفسه"، فقضى بينهما طفولة سعيدة على بساطة العيش، وتواضع الإمكانيات المادِّية.


    فكان كالملاك بين أترابه، إن لعبَ معهم ببراءة الأطفال، وإن حلم مثلهم أحلام الرجال؛ كما كان معقد آمال أبويه، ومشروعهما لمستقبلهما بالنجاح في الدنيا، ومواصلة العمل والدعاء الصالح لهما بعد رحيلهما، فقد كان آخر عنقودهما.

 

v  دراسته:

    التحق في سنة 1957م، وهو في سنِّ السادسة من عمره بمدرسة الفتح القرآنية لحفظ ما تيسَّر من القرآن الكريم، ودراسة مبادئ العلوم الشرعية، والفقهية، وفنون اللغة العربية، والأدب، والتربية، والأخلاق، كما التحق في نفس الوقت بالمدرسة الرسمية الفرنسية لتعلُّم العلوم واللغة الأجنبية الفرنسية.

    وفي سنة 1963م تحصَّل على شهادة التعليم الابتدائي التي كان يطلق عليها آنذاك "السِيزْيامْ"، وبما أنَّ البلدة -بريان- لـم تكن تتوفَّر على متوسطة أو ثانوية يومها، فضَّل التنقُّل إلى العاصمة حيث كان يشتغل فيها أخواه بالحاج وباحمد تاجرين، ولـمَّا كان المحلُّ التجاري قريبا من "متوسِّطة رضا حوحو" فضَّل الالتحاق بها لمواصلة دراسته، حتَّى يوفِّر مصاريف وأوقات التنقُّل إلى مناطق بعيدة عن مُقامه في العاصمة التي لـم يكن يعرفها من قبل، في حين أنَّ ملفَّه قد أرسلته الإدارة الوصيَّة من بريان إلى متوسِّطة ابن عكنون.

    فقضى في متوسِّطة رضا حوحو أربع سنوات من 1963 إلى 1967م، حيث تخرَّج بعدها بشهادة التعليم المتوسِّط (B.E.P.C) يتفوُّق وتميُّز، رشَّحاه أن يكون أحد تلاميذ ثانوية الأمير عبد القادر أيَّام عزِّها.

    ولكنَّه اضطرَّ إلى التوقُّف عن الدراسة مكرها تحت ظروف مرض والده وعجزه كلِّيا عن العمل، وتكفُّل شقيقيه (بالحاج وباحمد) بمصاريفه الخاصَّة وتكاليف دراسته، وحاجة أسرته إلى من يعولها، فاختار أن يساهم بما استطاع في الميزانية بالجمع بين الحسنيَينِ، العلمِ والتعلُّمِ، فتوجَّه إلى مراكز التكوين المهني ليكتسب مهنة يعتمد عليها في مستقبله، ويشتغل في نفس الوقت في أحد المحلاَّت التجارية.

    فانخرط في مركزٍ للتكوين المهني بباب الواد، ليتعلَّم حرفة "إِلكترونيك ميكانيك" فاطلع أثناء تكوينه ذلك في إحدى الجرائد على إعلان عن مسابقتين كانتا في صفحة واحدة: "مسابقة للبريد والمواصلات"، و"مسابقة الإذاعة والتلفزيون"، فكتب إلى المسابقتين رغبته في المشاركة فيهما، وبعد أسبوع جاءه الردُّ من البريد والمواصلات لإعداد الملف الإداري المطلوب، ولكن لـم يتجاوب معه الطالب عومر لوجود شرط التعهُّد لخمس سنوات، فصرف عنه نظره، وعاد إلى اهتمامه بتكوينه حتَّى نسي أنَّـه قد راسل الإذاعة والتلفزيون، إلى أن جاءته بعد ستَّة أشهر من المراسلة سنة 1968م برقيه من الإذاعة والتلفزيون تقول: -"الرجاء التوجُّه للإذاعة والتلفزيون لإجراء مسابقة"- وبعد ثلاثة أو أربعة اشهر جاءته برقية أخرى تقول: -"الرجاء التوجُّه يوم 03 مارس 1969م إلى الإذاعة لمباشرة التكوين"-. فاستفاد فيها من تكوينٍ مدَّة ثمانية عشر شهرا ضمن نخبة من شباب الجزائر شرقِها وغربها، وكان الوحيد بينهم من الجنوب. وترقَّى بعد فترة التكوين إلى مدير تقني في الإذاعة والتلفزيون.

    وفي سنة 1974م، انتقل مع زملائه المتفوِّقين في دفعته إلى فرنسا للتكوين في المعهد الوطني للسمعي البصري الفرنسي إلى سنة 1976م، ترقَّى بعده إلى مهندس استغلال.

 

v  العمل الوظيفي:

    كانت بداية عمله في الإذاعة والتلفزيون في الميدان وهو في مرحلة التكوين، بالخروج إلى ميادين العمل مع التقنيين والمخرجين ليتعلَّم استعمال الأجهزة والتدرب على استعمالها، وحفظها، وصيانتها، وما إلى ذلك مـمَّا يجب معرفته عن أجهزة العم، كالكاميرات، ولأفلام، ومسجِّلات الصوت، والميكروفونات، وما يتَّصل بها من خيوط وكوابل، وغيرها ... واستهلك منه ذلك حوالي ستَّة أشهر كمساعد للصوت.

    وعاش في تلك الفترة البدايات الصعبة الأولى للإذاعة والتلفزيون الجزائري، بعد غياب التقنيين الفرنسيِّين الذين انسحبوا جماعيا من المؤسَّسة بعد استقلال الجزائر، فعوِّضوا برجال الاتصالات من جيش التحرير، والجزائريين الذين اشتغلوا مع الفرنسيين في المؤسَّسة.

    وكانت أوَّل خرجة له للعمل إلى ملعب بولوغين لنقل مباراة كرة القدم رفقة المخرج محمد كشرود (رحمه الله)، ورافقه في العمل فترة زمنيَّة تعلَّم منه كلَّ ما كان يعلمه.

    وفي سنة 1971م، انتقل إلى العمل في تقنية مواكبة الصوت مع الصورة، ثمَّ خضع سنة 1974م لتكوين في المعهد الوطني السمعي البصري بفرنسا، فتخرَّج منه ضمن التلاميذ الأوائل المتفوِّقين حتَّى على الفرنسيِّين. وذلكَ ما أهَّله للإشراف على تكوين دفعة من التقنيين في مركز التكوين للإذاعة والتلفزيون الجزائري في السبعينات من القرن الماضي؛ إضافة إلى إشرافه ومتابعته لبناء أحد المخابر الخاصَّة بالإذاعة والتلفزيون الجزائري.

    وبقدر ما أحبَّ عمله، وعشق تخصَّصه، إلاَّ أنَّه كان (رحمه الله) يتألَّـم من بعض المعاناة في مجال سكنه الذي ضاق به، عندما كبرت أسرة أخيه، وكبر أولاده، فوجد منه مديره التقني "السيِّد زرُّوقي" أمرا غريبا عندما طلب منه ومن زملائه التقنيِّين في العمل أن يحرِّروا بطاقة رغبات، وكان من ضمن الرغبات اختيار مكان العمل من بين ثلاث محطَّات: الجزائر العاصمة، وهران، قسنطينة، فسجَّل المهندس عمر في بطاقته: أعمل في أيِّ مكان خارج هذه العواصم. استغرب مديره منه هذه الإجابة، فاستدعاه إلى مكتبه، وقال له: أنت الوحيد الذي لا يمكن أن نلبِّي طلبك. سأله المهندس عمر: لماذا؟ أجابه لأنَّ المؤسَّسة كوَّنتك لتكون إطارا هنا في الإذاعة والتلفزيون، وستبقى هنا في العاصمة، مكانك هنا. أجابه المهندس: مشكلتي في السكن يا حضرة المدير. أجابه ستبقى هنا، وسنحاول حلَّ مشكلة سكنك.

    فكان ذلك بالفعل وبقي في العاصمة، واشتغل مسؤولا للصيانة في قسم الأفلام من سنة 1976م، يتولَّى تحميض الأفلام، ومزج الصوت بالصورة، وتسجيل نسخ من الأفلام الصوتية والصورية صباحا، وموازاة لذلك مساء يتولَّى مهمَّةً إدارية، لتحضير وتوفير الاحتياجات السنوية من الـمعدَّات والتجهيزات الضرورية لسير العمل؛ وكلِّف خلال الثمانينيَّات بانتقاء التجهيزات الجديدة ومعاينتها لدى مصنِّعيها الأصليِّين في مختلف الدول.

    وفي سنة 1986م عايش فترة إعادة هيكلة المؤسَّسة ((R.T.A وتقسيمها إلى إلى أربع مؤسَّسات، هذا الحدث الذي قال عنه في حواره الإذاعي بورقله: -"كان حدثا أليما عليه وعلى كلِّ زملائه في الإذاعة والتلفزيون الجزائري، الذين كانوا يعيشون كعائلة واحدة، وتقسيم المؤسَّسة فعشنا تقريبا ما تعيشه أسرة مَّا وقع طلاق بين الأب والأمِّ وكان على الأبناء أن ينقسموا بين الأب والأمّ"-، وفي نفس السنة عيِّن رئيسا للدائرة التقنية بمؤسَّسة التلفزيون الجزائري، وبعد سنتين التحق بالمحطَّة الجهويَّة للتلفزيون الجزائري بورﭬـلة، فعيِّن مساعدا لمدير المحطَّة، ومسؤولا تقنيًّا، وفي نفس الوقتِ تطوَّع لمتابعة بناء المقر الجديد للمحطَّة، والتنسيق مع المديرية المركزية بالعاصمة؛ ثمَّ رقِّي إلى منصب نائب مدير مكلَّف بالمصالح التقنية، إلى سنة 1994م.

    وفي سنة 2013م، تقاعد عن العمل في التلفزيون العمومي، بعد أربعة وثلاثين عاما من العمل الجادِّ بصدق، وإخلاص، وتفانٍ، مع كفاءة عالية بشهادة مديره الذي يقول عنه: -"وجدتُ فيه أنبل الخصال الإنسانية، كما وجدت فيه روح الانضباط والتفاني والجدٍّية في العمل، إضافة إلى الكفاءة العالية وحسن التسيير"-.

 

v  العمل الاجتماعي:

    لـم يعش يوما المهندس الأستاذ: عمر بن بابا ابن يامي (لمرابط) يوما لنفسه، أو انزوى في مكاتب وظيفته، منعزلا عن مجتمعه ومحيطه والبيئة التي صدرَ منها، وتفتَّقت فيه مواهبه، وتربَّى ونشأ فيها، بل ظلَّ طول حياته في تواصل مع أهله وذويه، ومجتمعه وأمَّته، حيث حلَّ وارتحل، إن في العاصمة، أو في الجنوب، أو في مسقط رأسه.

    فآثاره وأياديه البيضاء ما زالت بادية وسائرة في مساجد بريان، حيث سخَّر علمه وخبرته متطوِّعا لإفادة القائمين على المساجد ببريان والقرارة والجزائر والعاصمة، عند تركيب أجهزة الصوت وأنظمتها، وصيانتها، واختيار أحسنها وأجودها، ويوفِّر رزنامة الآذان لأغلب المساجد باستمرار، إضافة إلى استشارته من طرف إدارات ولجان البناء المكلَّفة لتشييد دور العشائر وغيرها من البناءات العمومية.

    ومن آثاره التي كان جيلي ومن سبقه يتابعها ويلتزم بها وكلَّ الجزائريِّين، ولكنَّنا لـم نكن نعرف آنذاك من وراءها، إنَّها رزنامة مواقيت الصلاة، والإمساك والإفطار في شهر رمضان، والتي كان يسردها يوميًّـا السيِّد إبراهيم عزُّوز على شاشة التلفزيون في شهر رمضان سنوات الثمانينات من القرن الماضي.

    ففيه يصدق فيه قول الشاعر: أحمد شوقي:

وَكــن رَجــلاً إنْ أَتَـــو بَـــعدَهُ **** يَـــــقُــلُــونَ مَـــــــرَّ وَهَــــــــــذَا الأَثَـــــر

v  وفــاتــه:

آثره الله تعالى إلى جواره، بعد سبعين عاما من العمر، قضاه بين طلب العلم، والعمل الشريف، والكسب الحلال، والتقاعد الإيجابي الخيري، حيث توفِّي: يوم الخميس 10 محرَّم 1443ه، الموافق ليوم 19 أوت 2021م، ودفن في مسقط رأسه بريان. تاركا وراءه زوجة أمًّـا لطفلين صالحين، وأربع بنات صالحات، يخْــــلُـد بهم جميعا ذكره، ويتواصل عمله الصالح: -"إِذا ماتَ ابنُ آدم انقطع عمله إلاَّ من ثلاثٍ، صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له"- (صدق رسول الله).

اللهمَّ بَشِّرهُ بقولك: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ

*المصادر:

-       مراسلات مع نجل العلَم موسى بن عومر، على المسنجر في الفترة بين: 07 جوان 2022م و 13 أوت 2022م.

-       تسجيل صوتي في إذاعة ورﭬـلة الجهوية، لحصَّة شهود من الحياة للعلم مع المذيع: لخضر شبوعات.


                                                                                                                             بقلم يوسف بن يحي الواهج

                                                                                                      بريان 18 أوت 2022م

هناك تعليق واحد:

  1. اللهم ارزقنا الصبر على فراقه وجمعنا في الجنة يا ارحم الراحمين 🤲

    ردحذف