سرور بـــالــ: "مسار"
حدَّقت في صورة الرجل ساعة وُضع الكتاب "مسار" بين يديَّ، إنَّها صورة المجاهد الراحل "عمر بن عطيَّة" (رحمه الله)، وقد سبق لي أن رأيته أكثر من مرَّة، ولكن لم أحدِّثهولا مرَّة، وله في مخيِّلتي صورة عن شبابه بما بلغني عنه ممَّن عرفه وزامله وعاشره وتعلَّم منه، ورسمت له صورة أخرى عن كهولته ممَّـا سمعتُ عنه في المجالس العرفية والرسمية ووسائل الإعلام.
فلم أستطع أن
أضع الرجل يومها مع أصحاب اليمين وما أدراك ما أصحاب اليمين، أو أضعه مع أصحاب
الشمال، أو أصحاب اليسار (اليساريين) كما يقولون يومها.
ولـمَّا بلغتُ التمـيُّز في سنِّ الرشدِ، وتحرَّت فيَّ الأفكارُ، وتكشَّفت أمامي الأسرار، وجدت أنَّ الرجل الراحل: "مغازي عمر بن عطيَّة" بقدر ما كانت شخصيته جدلية في مجتمعه، يختلف حولها الجالسون، هي شخصية وطنية شديدة الطموح، تدكُّ الصروح، خفيفة الروح.
حركيٌّ إلى
حدِّ الثورة، يتحرَّك حيث كان، ويحرِّك من معه أيًّـا كان، يلبس لكلِّ عملٍ أو
نشاطٍ لبوسَه، فيكون اجتماعيا في المجتمع، ولا ينشطُ فيه إلاَّ مصلحا داعيا إلى
الخير وساعيا إليه دون أن يعير للأسلوب أيَّ اعتبار، إنشادا أو شعرا، تمثيلا أو
فكاهة، فأضحك وأبكى، ونصح وأوعى، وسلب قلوب الشبيبة قائد كشَّافة، وسلب عقول
المشيبة ناقدا ومنتقدا وناطقا بالحقيقة وإن آلمت.
ويكون
ثوريًّـا ثائرا إذا نادى المنادي، فهبَّ يوم أطلق الوطنُ نداءه إلى الجبال
والبوادي والجبهات، وسخَّر نفسه لخدمة جيش التحرير، فقضى من عمره ما قضى ثمنا من
أجل استقلال الجزائر أيَّام الجهاد الأكبر.
ويكون مناضلا
مبحرا في بحور ومتاهات السياسة أيَّام الجهاد الأصغر لبناء الوطن وتشييد حضارته،
وتحرير عقل وذهنية ولسان المواطن الجزائري بعد تحرير أرضه من الاستعمار الفرنسيِّ
الغاشم.
فإن كان "عمر
بن عطيَّة" شخصية جدلية في مجتمعه، فإن الجدل عادة يكون حول عمل، أو
نتيجة، أو مُنجز، ولا وجود أبدا لجدَلٍ على فراغ.
رحم الله
المجاهد الراحل الخالد "عمر بن عطية" رحماته الواسعة، وأسكنه
فسيح جنَّاته ورحم كلَّ مواطن صالح أخلص لله عمله. آمين.
بقلم: يوسف بن يحي الواهج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق