تاريخ الجزائر في جزائر الاستقلال

وأمام هذا
الزخم الإعلامي المحتفِل بهذه المناسبة الوطنية الخالدة، استعرضتُ في عصفٍ ذهني
سريع ما مرَّ بين ناظريَّ -منذ وعيتُ- من محطَّاتٍ ووقفاتٍ في الاعلام المكتوب، أو
الاعلام الرقمي، أو الاعلام المسموع، أو الإعلامي السمعي البصري، وفي مواقع الإعلام
الأزرق؛ وحتىَّ الاحتفالات الرسمية عبر الوطن بالمناسبات التاريخية والأحداث
الوطنية، وجدتُ أنَّ هذه الاحتفالات والكتابات والأشرطة والتقارير تنصبُّ على
المناسبات والذكريات الوطنية خلال فترة الثورة التحريرية 1954/1962م، وبعضًا ينتقى
انتقاء من مرحلة الاستقلال 1962/2020م، وبشكل أقلَّ أو نادر عن فترة الحركة
الوطنية الزاخرة، كتأسيس "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين"،
كأنَّها الحدث الوحيد في تلك المرحة.
فقلتُ في
نفسي متألِّما، ومتحسِّرا، ومتأسِّفا، وباكيا:
-
هل اختُزِلت الجزائر تاريخيا إلى نصف قرنٍ من الزمن أو يكاد؟!
-
هل الجزائر على عظمتها شعبا وأرضا ومكانة تساوي بضع عشراتٍ من السنين؟!
-
لا، وألف لا. إنَّ الجزائر وطَنٌ وأمَّةٌ وشعبٌ متجذِّرة في تاريخ الإنسانية
لعشرات الآلاف من السنين، ولبنــَةٌ أساسية في صرح الحضارة العالمية؛ عرفت عصور ما
قبل التاريخ، وعرفت كلَّ الديانات السماوية، كما عاشت الحضارات والثقافات والأعراق
التي حكت عنها أطلال وآثار وأسفار التاريخ البشريِّ إلى يومنا هذا.
فلا يُعقل ولا يُقبل أن
تعيش أجيالُنا الحاضرة، والأجيالُ القادمة جزائرَ مختزَلَة تاريخيا، ومبتورة حضاريا،
وموؤودة مستقبلا.
فأين من
تاريخ الجزائر على المنصَّات الإعلامية المختلفة:
-
أين ملوكنا الأمازيغ ودوَلهم وممالكهم؟
-
أين عهد الفينيقيين؟
-
أين مقاومة الجزائريين للغزاة؟
-
أين تاريخ الدول الإسلامية في الجزائر؟
-
أين عهد الخلافة العثمانية؟
-
أين المقامات الشعبية للاستعمار؟
-
أين عهد ونشاط الحركة الوطنية... وأين، وأين....

ومع ذلك،
يبقى للأمل نفَسٌ في النفْسِ مع نهضة الجزائر الجديدة، واستفاقة الجيل الحاضر من
الغفوة أو القوقعة التي زُجَّ فيها طيلة ستَّة عقودٍ أو تزيد، ليتصالح اليوم مع
تاريخه العريق وانتمائه المجيد.
فلتكن
أيَّامكم أيُّها الجزائريُّون كلُّها أعيادا وطنيَّة واجتماعية ودينيَّة تذكِّركم
وتجسِّد وتخلِّد لكم ولأبنائكم تاريخكم وحضارتكم وفخَاركم بين الأمم والشعوب.
تحيا الجزائر
بقلم: يوسف بن يحي الواهج
الجزائر 20 ماي 2020م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق