
وصِفة الوساخة الظالمة هذه، ألصقوها
بالمزابيِّ لأنَّهم كانوا دائما يشاهدونه في المتجر بملابس العمل (سروال عرب
مزابي، ومئزر من قماش)، تعلوه بشكل دائمٍ آثارُ البضاعة التي يتاجر فيها، خاصَّة
في القديم أيَّام الاستعمار الفرنسي وفي العهد العثماني قبله، حيث الرجل المزابي
يبتعد عن مسقط رأسه لكسب القوت فقط، فتراه يفتحُ المحلَّ باكرا، ولا يغلقه إلاَّ
متأخِّرا بعد منتصف الليل، بل يُحكى عن بعض المتاجر المزابية تبقى أنَّها تبقى مفتوحة
أربعا وعشرين ساعة (24/24) وكامل أيَّام الأسبوع (7/7)، كما تجده يجلب للحيِّ
وزبائنه كلَّ ما يحتاجونه من موادَّ مختلفة.
لهذا كان سكَّان حيِّه يشاهدونه بشكل دائم
على تلك الهيئة العمليَّة، بملابس تحمل آثار الموادِّ التي يتعامل معها، من زيوت،
وعجائن، ومساحيق، ومواد غذائية، وأقمشة، حتَّى الفحم والوقود قديما، ومواد البناء
المختلفة و... و...

وقد حَكَى لي أحد الأصدقاء واقعة حدثت لوالدته
مع الجارة التي تسكن معها في نفس العمارة، وقد كانتا صديقتين لطول العشرة والجوار.
وذلك أنَّ الوالدة المزابية سمعتْ يوما
جارتَها تنهرُ ابنتها وتناديها أن تستحمَّ وتغيِّر ملابسها، فقالت:
-
رُوحِي تْدَوشِي وبَدّْلي حْوَايْجَكْ، رَاكِي مْوَسْخَة كِي لَمْزَابِي.
فنادتها المزابية مستغربة في غضب:
-
فُلانة، فُلانة، رْواحِي، رْوَاحِي، ماذا قلتِ: "موَسْخَة كِي
لَمْزَابِي" ؟؟؟!!!
رْوَاحِي تْشُوفِي دَارِي، وَنْجِي نْشُوفْ دَارَكْ، نْعَرْفُوا شْكُونْ
لَمْوَسَّخْ.
كان الوقتُ حينذاك ضُحًى، قد نظَّفت المزابية
بيتها كما العادة، وفتحت النوافذ للتهوية ودخول الشمس، بينما كانت المرأة الجارة
لم تنظف بيتها، والنوافذ مغلقة، وزوجها المدخِّن في البيت وقد ملأه ببقايا
السجائر.
تهاوت الجارة على المزابية تعانقها وتقبِّل
أياديها، وتمطرها بعبارات الاعتذار على ما صَدَر منها، وهي تقول:
- سامحيني لالَّة فلانة، لم أقصد ما قلته، إنَّما هي عبارة
كنت أسمعها منذ الصغر، وهي تقال عندنا بعفوية وطبيعي في مثل هذه المواقف.
أجابتها المزابية:
- فأنتِ اليوم تلقِّنيها لابنتك كما لقَّنوها لكِ.
أستحلفكِ بالله أن تنظري إلى هيئتك حاليا، وحالة بيتك؛ ثمَّ انظري إلى حالة
بيتي وقد عرفتِه من الداخل جيِّدا، وقارني بين البيتين وقارني.
بكت المرأة الجارة وأقرَّت بالفرق الواضح
واعتذرت؛ ولكن بعد تلقين وتمرير الظلم إلى ابنتها وأبنائها.
"اللهم
اهدِ قومي فإنَّهم لا يعلمون"
بقلم: يوسف بن
يحي الواهج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق