الاثنين، 3 يونيو 2019

شؤون إجتماعية: الشبهة السابعة عشر: رَزْقْ لَمْزَابِي حْلاَلْ


  
    رَزْقْ لَمْزَابِي حْلاَلْ، رزق المزابي حَلال: وهي كلمة حقٍّ أريدَ بها باطل.
    وهي من المفاهيم الخاطئة، التي تعرَّض من جرَّائها المزابيُّون إلى ظلم كبير، لا يعلم حجمه إلاَّ الله، فنُــهِبت من جرَّاء سوء الفهم لهذه العبارة أموالهم وأملاكهم بكلِّ الأشكال والوسائل والطرق والحيل، سرقةً، ونهبا، وغصبا، وحرقا، وإتلافا، وتضييعا، واحتيالا.
    وقد سمعتُ هذه الكلمات من بعض الناس في المحيط الذي درجتُ فيه غِرًّا صغيرا، وطالبا يافعا، وجنديا في الثكنة، وشابًّا في العمل، ولكن لم أكن أستوعب معنا المقصود في والواقع الذي نعيش فيه.

    ثمَّ عرفتُ من الوالد الكريم رحمه الله، وممَّن في سنِّه ومعرفته ومقامه، أنَّ أصل هذه المقولة هو: أنَّ رزق المزابي حلال، إنَّما يقصد بها العلماء والعقلاء والحكماء والأشراف من غير المزابيين، أنَّ مكاسب وممتلكات وأموال وأرزاق المزابيين حلال طاهرة المكسب، نقية المصدر، جمعوا ما جمعوا من متاع الدنيا بطرق شرعية نقيَّة طاهرة لا لبسَ فيها.

    ولم تختلط أموالهم بشبهات الكسب الحرام، من تعاملات ربوية من أيِّ نوع، ولم يدخل خزائنهم فلس من حرام، ولا أجسامَهم مأكل أو مشرب أو ملبس مشبوه بأيِّ شكل من الأشكال. كالتطفيف من الميزان، أو الإخسار والإنقاص في الكيل، أو تبخيس الناس أشياءهم.
    وبهذا يشهد كلُّ من عرف المزابيين، بالتجاور في مرابضهم بوادي مزاب وخارجه، أو بالتعامل معهم في المتاجرة والمعاملات المالية المختلفة، مهما كانت كبيرة أو صغيرة، قد يحتقرها الكثير من الناس، فهم يرضعون مع لبان أمَّهاتهم، ويحفظون ويستوعبون صغارا قول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: -"القليل من أموال الناس يورث النار"-.
    يخافون الوعيد بالويل يوم القيامة: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفين الذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَاسِ يَسْتَوفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمُ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾  سورة المطفِّفين.
    ويُحكى أنَّ قصَّة أو أصل المقولة هذه، أنَّ قرية من قرى الجزائر الواسعة قديما، عزم أهلها على بناء مسجد بها، فجمعوا الأموال لذلك من سكَّان القرية، ولكنَّ البناء كان لا يستقيم، يتعثَّر من بدايته وهو لا يزال عند الأساسات، فمرَّت فترة من الزمن ولم ينطلق البناء انطلاقة جيِّدة كما يريدها أهل القرية.
    فاقترح عليهم أحد شيوخهم أن يقصدوا بني مزاب ويطلبون منهم المساهمة في بناء المسجد، لأنَّ أموالهم حلال طاهرة لا رجس فيها، فقد تكون سببا لانطلاقة جيِّدة لبناء المسجد. ففعلوا ما اقترحه الشيخ، وكان الأمر كما ظنَّ وأمل وتمنَّى.
    فالكلمة أو الجملة هذه تطمئن الناس أن أموال الميزابيين حلال طاهرة، سائغة للأكل أو المشرب، أو الاكتساب معهم، والتبضُّع منهم لتعمير وتجهيز وتأثيث بيوتهم ومدارسهم ومساجدهم، أو للتجارة والاستثمار وسائر المعاملات المادِّية المختلفة.
    ولكن الفهم الخاطئ لهذه المقولة من غوغاء جهلة، وظَّفوها لما تميل إليه نفوسهم وطباعهم من فساد في الأرض، وسعي فيها ظلما وعدوانا.
"اللهمَّ اهدِ قومي فإنَّهم لا يعلمون"

بقلم: يوسف بن يحي الواهج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق