مفدي زكريا:
شاعر الثورة والوطنية في الجزائر بلا
منازع.
آتاه الله نِعَما على شكل مواهب، فجنَّدها
وبذلها بسخاء من أجل وطنه الجزائر. فهو:
-
مثال الشجاعة مِن على المنابر بنظم الكلام.
-
مثال الشجاعة على صفحات الجرائد بمقارعة
الأقلام.
-
مثال الشجاعة في الصفوف الأولى لكلِّ مسيرة
بالعزَّة والإقدام.
-
مثال الشجاعة في الثبات على المبادئ والقيم،
مهما قسَت عليه الأحكام.
الشجاعة
الثورية عند مفدي زكرياء
يقول
محمَّد قنانش، وهو شاهد على الحادثة:
"... وفي شهر
سبتمبر 1935، انعقد المؤتمر الخامس لطلبة شمال أفريقيا، بمدينة تلمسان، وقد حضرتُ
جلسة من جلسات العمل بنادي "السعادة"، الذي تكفَّل بإيواء المؤتمر بعد
طرده من قاعة البلدية. وكان الموضوع "التعليم العربيُّ في أقطار الشمال
الإفريقي"، وأثناء المناقشة طلب الكلمة الأستاذ: محمَّد الهادي السنوسيّ،
الذي كان ممثِّلا لجمعية العلماء، بمدينة سيدي بلعبَّاس، ومعلِّما بها، ليطرح
السؤال التالي: كيف يمكن تنفيذ القرارات التي تتَّخذونها؟ وقد درست جمعية العلماء
الموضوع، واتخذت قرارات، ولكنَّها بقيت حبرا على ورق. وإذا بصوت ينطلق من وسط
القاعة، ليقول كلمة واحدة، تهزُّ الحاضرين، وتلتقي الأعين كلُّها لترى صاحب هذه
الكلمة، وإذا به الشاعر مفدي زكرياء، بلحيته الخفيفة وطربوشه الطويل.
أمَّا الكلمة
التي أطلقها كالقنبلة، فهي "الثورة" كوسيلة للتنفيذ، وكلمة "الثورة"
هذه بالنسبة لي، ولأغلبية الحاضرين شيئا جديدا، وكانت غريبة عن مجتمعنا؛ فالثورة
لم تكن تُذكر إلاَّ في كتب التاريخ، أو كحلم لبعض الشعراء والفلاسفة، أمَّا ونحن
في الجزائر، وفي السنة التي يرسّم فيها قانون "رينيي" (Régnier) الخاص
بالسياسيين، بعد قوانين الأنديجينا، وقانون الغاب، وبعدما وقف شيخ البلدية،
المعمِّر الكبير "فالور" ضد انعقاد جلسات المؤتمر بقاعة البلدية،
بعد هذا كلِّه يفرقع شاعرنا قنبلته بكلِّ بساطة وبرودة تامَّة. هذه اللحظات
بالذات لا زالت أمامي، أتذكَّرها، وأنتشي بأصدائها."
منقول من كتاب: مفدي زكرياء، د. مصطفى بن بكير حمودة،
الجزء الأوَّل، ص: 229.
السجن
كما يراه مفدي زكرياء
يقول مفدي
زكرياء في رسالة يتحدَّث فيها عن أثر دخوله السجن في نفسه، فيقول:
"أكتب
إليك بعد شهر من دخولي في عطلة الاستراحة الصيفية التي حرمنا منها أنفسنا، وأبت
الحكومة إلاَّ أن تسوقنا إليها بالسلاسل مكرهين، ولكن مكرَّمين، كنتُ أسمع بالسجن
فأنقبض، وتضيق عليَّ أنفاسي، فلمَّا منَّ الله عليَّ بنعمة دخول السجن، وجدتُ في
أعماق السجن راحة، كنت أجهلها، ورأيت بين طيَّات ظلامه الحالك كثيرا من آمالي
الضائعة، التي كنت أفتِّش عنها في غير السجن، بين خلايا الوجود المضطرب الصاخب،
المملوء بالمساخر، المفعم بالآلام والبرحاء"
كتاب: مفدي زكرياء، د. مصطفى بكير حمودة، الجزء الأوَّل،
ص: 396.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق