الشيخ بيُّوض استراتيجية واستشراف
نُـــتابِـــع:

فكان نعم الممثِّل عن أمَّته، والمدافع القويَّ عنها،
والمخلِصَ والمخلِّص لها؛ وهذا الشيخ عبد الرحمان بكلِّي (رحمه الله) يتحدَّث عن
رحلة الشيخ بيوض إلى المجلس ليقدِّم مطالب الأمَّة للحكومة، فيقول:
-"إنَّ رحلتك هذه التي تؤوب منها وألوية العزِّ
والنصر تخفق على رأسكَ رحلة تاريخية؛ بل هي دورة تاريخية وحدها إذا علمت الأمَّة
كيف تستغلُّها. فلسوف تحدث بها انقلابا هائلا في أوضاعها، وتطوُّرا يخرجها من
زاوية الخمول وينقذها من براثن الحكم العسكري الغاشم. ولسوف يدخل مزاب بفضلها -إن
لم يتخاذل- في ربيع ناضر كله جمال وكمال.
وهي أروع من الأولى حقًّا وإن جمع بينهما جامع: هو تقديم
مطالب الأمَّة للحكومة، لكن شتَّان بين تقديم وتقديم. فذاك تقديم للدراسة بواسطة.
وهذا تقديم لمن بيده الحلُّ والعقد مباشرة قصد التنفيذ والإنجاز."- ( كتاب كلمات خالدة للبكري، صفحة: 142)
5- منصَّة الوحدة الترابية والاجتماعية للجزائر: إنَّ إيمان الشيخ بيُّوض رحمه الله بعالمية الرسالة
الإسلامية، جعلت منه رجل الوطن والأمَّة والإسلام، لا رجلَ البيت والعشيرة
والقرية، فوجَّه جهودَه وخدماته إلى الشعب الجزائريِّ كلِّه، وبذل نفسه ونفيسه من
أجل الوطن الجزائري كاملا، ولم يتقوقع في مدينته أو منطقته.
فكان من الدعاة الأوائل إلى تأسيس هيئة تجمع النخبة
العلمية بالجزائر، فكان من المؤسِّسين الأوائل لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين
في بداية الثلاثين من القرن الماضي، وكان من أعضائها البارزين إلى أن توفَّاه الله
تعالى.
وكان الممثِّل النيابي السياسي والقومي عن منطقة غرداية
بالمجلس الوطني الفرنسي، فدافع عن حقوق ومصالح مواطني الدائرة جميعا دون استثناء
على اختلاف مشاربهم وتيَّاراتهم الفكرية.
كما كان رجل مصالحةٍ وتقارب، وحمامةَ سلام بين كلِّ
الأطياف من المجتمع الجزائري، فما أن يُشعل الاستعمارُ وأذنابُه نار فتنة في جهةٍ
من جهات الوطن، إلاَّ وهبَّ الشيخ بيُّوض مسرعا لإطفائها بحكمته وذكائه وعلمه
وخبرته حفاظا على وحدة المجتمع، وإحباطا لدسائس الاستعمار ومخطَّطاته، واجتثاثا
لكلِّ أسباب الفُرقة والفتنة.
كما وقف حجر عثرة كأداء في وجه الاستعمار، عندما أراد
تقسيم الجزائر بفصل جنوبها عن شمالها، لتأسيس دولة جديدة موالية له في النصف
الجنوبي من الجزائر.
وبقدر ما سعى الاستعمار حثيثا لتحقيق هذا المخطَّط
الخبيث، متخذًا كلَّ الطرق والأسباب، مستعملا كلَّ الوسائل الاغرائية والتهديدية؛
بقي الشيخ من جهةٍ أخرى مصرًّا على رفض التقسيم، مهما بالغ الاستعمار في إغرائه أو
تهديده، ولم يغمض له جفنٌ أو يهنأ له بال حتَّى تبدَّد حلم فرنسا، وسيبقى مُبدَّدا
إن شاء الله تعالى إلى يوم القيامة.
وهذه شهادة الدكتور أحمد بن نعمان عن هذا الموقف البطولي
للشيخ بيوض رحمه الله، صرَّح بها في حوار مع جريدة الشروق، بتاريخ: 10 فيفري
2014م، يقول فيها:
-"وأجزم هنا أنه لولا تلك الهوية الموحدة التي أثبتها الشعب
الجزائري بكل فئاته وجهاته، من الأوراس إلى غرداية وجرجرة والهڤار من كبارنا الذين
ألقموا الجنرال ديغول حجرا لإحباط مساعيه ودعاويه المضللة، ولا ننسى أبدا أن نذكر
هنا ذلك الموقف الوطني الرائع للشيخ إبراهيم بيوض رحمه الله الذي وقف باسم جماعته
المذهبية الطائعة وعزابته الرائعة بكل المقاييس مع وحدة الشعب ووحدة هويته الوطنية
العربية الإسلامية، بشهادة الرئيس بن خدة في هذا الخصوص، لولا ذلك لكانت صحراؤنا
اليوم تابعة رسميا للدولة الفرنسية، وأؤكد أنه لولا تلك المواقف الوطنية من كل
مكوِّنات وفئات الشعب الجزائري الموحد لما كان هذا الاستقلال السياسي على ما هو
عليه من عدم الاكتمال السيادي .."-
بقلم: يوسف بن يحي الواهج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق