الشيخ بيُّوض استراتيجية واستشراف

والمقامُ لا
يتَّسع مساحةً ولا زمنًــا للحديث عن مناقب هذه الشخصية العظيمة من كلِّ جوانبها
ولو اختصارا، ومن شاء من القرَّاء الكرام التعرُّف بشكلٍ أوسع على هذه الشخصية،
عليه أن يعود إلى ما كتبه المخلصون من كتَّاب الجزائر، والأوفياء من تلاميذه
الأبرار، على قلَّة ما كُتب.
وإنَّما نحن
الآن في هذه اليومية، اليوميَّة الرمضانية نُركِّز على الجانب الوطني والثوري
الجهادي للشيخ بيُّوض من على المنصَّات المختلفة خلال مسيرته النضالية، وذلك
انضباطا بالموضوع المخصَّص ليوميَّة هذه السنة، ونحن متأكِّدون أنَّنا سنكون
مقصِّرين في حقِّ الرجل لضرورة الاختصار.
1- منصَّة التعليم: تصدَّى الشيخ بيُّوض للتعليم وهو ابن العشرين من عمره، بعد وفاة شيخه:
الحاج عمر بن يحي رحمه الله، الذي توفِّي بعد سنوات قصيرة من تأسيس معهده للتعليم
على نهجِ شيخه: قطب الأيمَّة الشيخ اطفيَّش رحمه الله.
وراع الشيخ بل التلميذ إبراهيم بيُّوض أن يسقط هذا الصرح
الفتيُّ، تنطفئ شمعة العلم بعد وفاة الشيخ الحاج عمر بن يحي، فتحمَّل مسؤولية
التعليم فيه، والاشراف عليه وهو صغير السنِّ، فكان في مستوى المسؤوليات، وواجه
كلَّ التحدِّيات المترادفة بذكاء كبير، وشجاعة خارقة.
ولم تمضِ سنوات قليلة حتَّى ـعلن تأسيسَ معهدِ الحياة،
وفتحَ أبوابه لجميع الراغبين في طلب العلم من أيِّ جهة كانت من الوطن الجزائري،
ومن خارجه؛ فتوافدت عليه البعثات الطالبة للعلم من مدنِ مزاب كلِّها ووارجلان، ومن
شمال الجزائر وجنوبها، وحتَّى من تونس وليبيا وعمان.
فأسَّس مأوى لتلك البعثات، سمَّاها: البعثة، أو دار
البعثات، أو الداخلية، جعل منها مركز تكوين وتدريب للشباب في مختلف المعارف
والتخصُّصات، فبرزت ضمن البرامج والمناهج التي رسمه الشيخ مواهبَ عديدة في مختلف
فنون العلم والأدب والابداع، أصبح أصحابها يسدُّون الثغور، ويحملون الألوية في
محافل ومنابر عديدة ومختلفة، دفاعا عن الدين والوطن والقِــيم والمثل العليا.
فالشيخ بيُّوض رحمه الله عندما اختار الاشراف على التعليم،
كان ذلكَ إدراكا منه على أهمِّية هذا الجانب في تكوين الفرد والمجتمع، وما يحمله
ذلك من مصلحة للدين والوطن والمجتمع، وهو (التعليم) مسؤولية عظيمة، جعل منه امتداد
لرسالة شيخه قطب الأئمة إلى تحمَّل رسالة محاربة الجهل، ورفع راية معارضة دخول
الاستعمار الجزائر، والمنطقة بصفة خاصَّة.
وذلك ما غرسه الشيخ بيُّوض في تلاميذه وأبنائه ممَّن
تتلمذ على يديه بمعهد الحياة، وشعاره:
-"الدين والخلق قبل العلم والثقافة، ومصلحة الجماعة قبل مصلحة
الفرد"-.
فكان هذا العمل منه جهادا وكفاحا من أجل الوطن،
استراتيجيا واستشرافا لمستقبل الجزائر، الذي يتطلَّب تكوين رجال ملئوا وطنية وحيوية
تعمل من أجل تحرير وبناء الوطن.
وقد جمع أحد
تلاميذ الشيخ بيُّوض الأبرار، الدكتور: محمَّد صالح ناصر، المنصَّات التي ارتكز
عليها الشيخ في مسيرته النضالية في قوله في كتابه القيِّم: "أعلام
وأقوال" صفحة: 428:
-"..
برز الإمام مفسِّرا، ومفتيًّا، ومصلحا، ومربِّيا، وأديبا، كما عُرفت أدواره
الريادية في تلك المجالات كلِّها عضوا إداريا في جمعية العلماء المسلمين
الجزائريِّين في الثلاثينيات، وعالما مصلحا في حلقة العزَّابة منذ العشرينيات،
وسياسيا محنَّكا في الحركة الوطنية في الثلاثينيات والأربعينيات، ومجاهدا مخلصا في
الثورة التحريرية في الخمسينيات، ومربِّيا اجتماعيا قديرا في المدرسة والمعهد
والمسجد من العشرينيات إلى الثمانينيات."-
... يَــتبَـــع:
بقلم: يوسف بن يحي الواهج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق