الأربعاء، 23 مايو 2018

اليومية الرمضانية 2018م: المدارس مصانع الوطنية في مزاب 3


 المدارس مصانع الوطنية في مزاب


    ثالثا: دار البعثات العلمية المزابية بتونس:

    مع أبناء هذه البعثة، تعمَّقت وتجذَّرت الوطنية في نفوس وقلوب الشباب المتخرِّج من معهد الحياة ودار البعثات بالقرارة، فأرسل المشائخ والمسؤولون على البعثات أنجب وأنبغ وأقدر الطلاَّب إلى تونس الشقيقة، التي كانت عاصمة العلم والمعرفة والثقافة العربية آنذاك، طلبا للاستزادة والتمكين في تحصيل العلم، ورغبة في ترشيد الروح الوطنية، وترقية العمل النضالي في نفوس الشباب، وإعدادهم لمرحلة ما بعد الثورة، وحصول الجزائر على استقلالها، كما كانوا يرونه قريبا.
    فكانت النواة الأولى لهذه البعثة العلمية تحمل هذه الأهداف الوطنية الخالصة، سافرت إلى تونس بأمرٍ وتوجيه وتأطير من فضيلة الشيخ إبراهيم بن عمر بيوض (رحمه الله) في أوائل الأربعينيات من القرن الماضي، تتكوَّن من الأساتذة:
-      محمَّد علي دبوز.
-      بالحاج بن سعيد شريفي.
-      عيسى بن سليمان سعودي.
-      يوسف بن حمو ابن زايط.
-      إبراهيم بن باعلي لطرش.
-      إبراهيم سعيد كعباش....وغيرهم.

    ونجاح هذه النخبة الأولى في دراستهم، ومحافظتهم على أخلاقهم وشخصيتهم، ومبادئهم وقيمهم، وثوابتهم الدينية والوطنية التي جاؤوا بها من عند ذويهم وأهاليهم، ولم يتأثروا بجو العواصم الكبيرة التي المتفتِّحة على العالم، العامرة بكل أسباب الانحراف، وقد خاف عليهم أولياؤهم وآباؤهم الذوبان في المجتمعات الكبيرة؛ قلتُ نجاح هذه النخبة هو الذي شجَّع المشايخ وولاة الأمور بمزاب، والآباء على إرسال المزيد من الأبناء إلى تونس لطلب العلم، والتكوين في مختلف المجالات، وإعداد الرجال الأكفَّاء لبناء الدولة الجزائرية بعد استقلالها قريبا جدًّا إن شاء الله، لأنَّهم كانوا يعتقدون اعتقادا راسخا أن استقلال الجزائر آت آت آت.
    إضافة إلى حرص الآباء على إنقاذ أبنائهم من المدارس الفرنسية الاستعمارية اللائكية، وتعليمهم اللغة العربية والرفع من مستوياتهم في مختلف الفنون العلمية العصرية في بيئة مسلمة صالحة مراقَــبة.
    فبدأت أفواج الطلاَّب تتوافدُ على تونسَ تباعا، بطرق مختلفة، وحيَلٍ متعدِّدة، حتَّى تتخطَّى الحدود المراقبة، والحصار الذي فرضته السلطات الاستعمارية الفرنسية.
    ولـمَّا تجمَّع في تونس ما يقارب الخمسين طالبا، كان لزاما أمام هذه الأعداد المتزايدة أن تنتظم البعثة كما انتظمت دار البعثات العلمية بالقرارة.
    فسارع المسؤولون على البعثة إلى شراء دارين كبيرتين تسَعَان كلَّ الطلبة، وما يلزم لهم من شؤون وضروريات الحياة والدراسة، فعاشوا فيها عائلة واحدة أكثر ممَّا كانوا فيها زملاء وأصدقاء، في ظلِّ جوٍّ عائليٍّ دافئ، تحت نظام تكويني تربويٍّ توجيهي منضبطٍ، كما عاشوا مثله في دار البعثات العلميَّة بالقرارة.
    وعندما اندلعت الثورة التحريريَّة بالجزائر في الفاتح من نوفمبر 1954م، وأغلقت فرنسا الحدود بين الجزائر وتونس، ثمَّ بناء خطِّ موريس المكهرب بقي الطلبة هناك سنوات الثورة كاملة، لا يستطيعون الخروج منها، فانقطعت عنهم أخبار الأهل والجزائر، كما انقطعت أخبارهم عن ذويهم وأهاليهم. ...... يَــتـبع

مع تحيَّات: يوسف بن يحي الواهج


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق