الثلاثاء، 22 مايو 2018

اليومية الرمضانية 2018م: المدارس مصانع الوطنية في مزاب 1


 المدارس مصانع الوطنية في مزاب


    ثانيا: دار البعثات العلمية بالقرارة:

    أو البعثة العلمية البيُّوضية، الاسم المشهور لها. قُل عنها أيُّها القارئ الكريم: إنَّها ثكنة، أو معسكرا ولا تخف المبالغة في قولك، فهي بالفعل تشبه الثكنة العسكرية بنظامها الصارم، والانضباط الواجب على كلِّ أفرادها الالتزامَ به طلبة ومشرفين ومسيّرين، وضيوفا وزوَّارا.
    أسَّسها فضيلة الشيخ إبراهيم بن عمر بيُّوض رحمه الله، سنةَ ألفٍ وتسعمائةٍ وخمسةٍ وعشرين ميلاديَّة (1925م)، موازاة مع تأسيس معهد الحياة، والهدف من تأسيسهما أن يواصل الطلبة تعليمهم الشرعي والعربي الذي تلقَّوه في المدارس الابتدائية التي أسَّستها الجمعيات الإصلاحية في وادي مزاب. (تحدَّثنا عنها في صفحة الأمس).

    وفي دار البعثات العلمية يتكوَّن الطلبة الوافدون من كلِّ قرى مزاب في الجوانب الأساسية من الحياة، فتصقلُ شخصيتُهم، وتُغرَس فيهم بطريقة علميَّة الرجولة، والاعتماد على النفس، وحسن العشرة والمعاملة، وأخلاق العيش والعمل ضمن المجموعات؛ وترسَّخ فيهم الوطنية وحبُّ الوطن، وأساليب وطرق ووسائل الدفاع عن الوطن والأرض والعِرض والكرامة بطريقة عملية واقعية صادقة.
    ففي هذه الدار، يعيش الطلبة المتخرِّجون من المدارس الابتدائية تلك مجتمعين، يتعارفون فيها على بعضهم، فتتوحَّد رؤاهم ومبادؤهم، وتتَّضح أمامهم الأهداف التي جاؤوا من أجلها على هذه الدار، ويعرفوا حقَّ المعرفة
واجباتهم نحو ربِّهم، وواجباتهم نحو دينهم ووطنهم وأمَّتهم.
    صدِّقني أيُّها القارئ العزيز، أنَّني لستُ مبالغا أن أذكر هذه الجوانب تسويدا للصفحات، أو استرسالا في أسلوبٍ أدبيٍّ، إنَّما والله أعني ما أقول، وأعني صادقا كلَّ جانبٍ من هذه جوانب الشخصية للإنسان السويِّ، ولكلِّ جانبٍ من هذه الجوانب نصيب كبير من اهتمامات مسيِّري ومسؤولي دار البعثات، ابتداء من القائد الامام الشيخ بيُّوض، ومرورا بالأساتذة المرابطين في معهد الحياة، إلى قادة ورؤساء دار البعثات العلميَّة حسب ما سنراه معا من البرنامج أو المنهج الثابت الراسخ منذ التأسيس إلى يومنا هذا.
    هذا البرنامج أو المنهج، هو الذي أنشأ لمزاب وللجزائر جيلاً أَمَّ المساجد، وسدَّ الثغور، وتصدَّى للنوائب، وحمل الألوية، واعتلى المنابر، وعلَّم الأجيال، وحرَّر الوطن، وبنى الدولة، وألَّف الكتب، وعاش مخلصا واهبا نفسه لإعلاء كلمة الله في الأرض، وخدمة وطنه الجزائر.
    ولــمَّا المجال في زمنه من هذا الشهر الفضيل، وفي مكانه من صفحات هذه اليومية لا يسمحان ببسطِ الحديث عن المنهج المتكامل لتكوين شخصية الرجلِ السويِّ الكامل، عليَّ الآن أن أركِّزَ حديثي اليوم عن الجانب الخاص بتكوين وترسيخ الروح الوطنية النضالية في قلوب الطلبة، لأنّض موضوع اليومية الرمضانية السادسة ينحصر في مشاركة المزابيين في الثورة التحريرية.
    لهذا الجانب التكويني التربوي، وضع المسؤولون على المشروع -بشكل تعاوني تكاملي بين دار البعثات ومعهد الحياة- منهجا وبرنامجا متنوِّعا ثريًّا، يتَّخذُ كلَّ الأسباب، ويستعمل كلَّ الوسائل التي تمنح الفرص متساوية للطلبة، للإبداع، والإنتاج الفكري، والتعبير الحرِّ، حتَّى تتفتَّق فيهم المواهب، وتنمو المدارك، وتصقَل الأفكار، وترشد الآراء والنظريَّات، فيصحُّ التوجيه من الأساتذة والمشرفين.
    واعتمد المنهج في تكوين الأجيال على المناسبات الدينية، والأعياد الوطنية، والأحداث الاجتماعية، والأيَّام الثقافية داخل الدار وخارجها، إضافة إلى الأنشطة الداخليَّة الأسبوعية الخاصَّة بدار البعثات، أو بمعهد الحياة. بعد أن وفَّر وسائل وأسباب العلم، ووضع رموز الوطنية والتضحيَّة والشجاعة أيقونات ومثلا وقدوة للطلبة.  ....... يَـــتــبع

مع تحيَّات: يوسف بن يحي الواهج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق