السبت، 2 ديسمبر 2017

شؤون إجتماعية: بوطة (القابلة)

بوطة

    بُوطَه، أو القابلة، أو طبيبة النساء، بالتعبير المعاصر.
    قد يتساءلُ المرء في هذا العصر عن مسألة التوليد، ـــ توليد النساء الحوامل ـــ كيف يتمُّ الأمر قديما، قبل وجود القابلة، كما يعرفها جيلنا ومن سبقنا في القرن الماضي، أو طبيبة النساء المتخصِّصة في كلِّ شؤون المرأة من الحمل إلى الولادة، إلى متابعة رعاية الطفولة في شهورها الأولى.
    وبقليل من التفكير والرجوع بالذاكرة إلى الماضي غير البعيد بالنسبة لجيلي ومن سبقني، يتذكَّر المرء شخصيةً نسائية، أو امرأة تسمَّى في ثقافتنا وذاكرتنا الاجتماعية: بُوطَه؛ ولا زلتُ أذكر إلى الآن امرأة تقول لي عنها والدتي (رحمها الله):

-      تَنِّي دْ بُوطَتْشْ.

    وتعني أنَّها هي التي أشرفت على توليد والدتي عند حملها بي، وتأمرني أن أحترمها وأحبَّها، وأن أعاملها كمعاملتي للوالدين فهي في الوالدة يرحمهما الله جميعا. وكذلك الأمر في كلِّ المجتمع المزابي، تجد هذه المرأة "بُوطَه" كل احترام وتقدير وتبجيل من كل الأبناء الذين كان لها فضل الاستقبال والرعاية لحظة نزولهم من الأرحام، فيخفضون لها جناح الذلِّ كما يخفضونه لأمَّهاتهم وآبائهم، وأبد أن يقول لها أحدهم: أُفٍّ.
    ويوجد منها في كلِّ حيٍّ أكثر من واحدةٍ، تقدِّمُ خدمة التوليد والاشراف على المولود لعدَّة أيَّام أو عدَّةِ أسابيع.
    فعندما يدخل حملُ المرأة شهره التاسع، تحبر القابلةَ "بُوطَه" التي تكرَّر التعامل معها حتَّى أصبحت من أفراد الأسرة، وتعتبر أمُّ أبنائها، وتكون في أغلب الأحيان قريبة السكنِ من مسكنِ المرأة الحامل، قلتُ تخبرها أنَّ الحملَ في قد دخل شهره التاسع، فعليها أن تتوقَّع الاتصال بها في كلِّ لحظة، وتطلب منها ألاَّ تغادر البلدة قبل الولادة.
    وإن كانت تسكنُ بعيدا عن مسكن الحامل، تفضِّل المرأة القابلة "بُــوطَه" بعد أن تلاحظ اقتراب موعد الولادة بحكم خبرتها وتجربتها، أن تنتقل إلى بيت المرأة الحامل فتقضي معها الأيام الأخيرة من الحمل، تترقَّب لحظة الولادة.
    وأثناء مكوثها هناك، تقوم المرأة القابلة الضيفة بمساعدة صديقتها الحامل، في تحضير كلِّ ما يلزم المولود المرتقب ابتداء من:
-      أدوات ووسائل وموادَّ تحتاج إليها أثناء عملِّية التوليد.
-      اللوازم الخاصَّة بالمولود المرتقب لحظة قدومه.
-      الأغراض التي تحضَّر يدويًّا تقليدية للمولود، كالقمَّاطة، وفراش نومه، وغطاء وجهه.
-      الأغراض والأشياء التقليدية التي تلبسها المرأة عند نفاسها حسب تقاليد المجتمع المزابي.
-      الملابس الخاصَّة بالمولود الجديد، التي سيلبسها عند الاحتفال بأسبوعه الأوَّل.
    وعند المخاض، تعلَــنُ حالة الطوارئ في البيت كلِّه، ويتجنَّد كلُّ من فيه لخدمة السيِّدة القابلة "بُوطَه".
    ولا بد في الختام أن نذكر أنَّ القابلة "بُوطَه" تقومُ بعملها هذا تعبُّدا لله تعالى، ترجو به الأجر الجزيل، والقبول الحسن.

بقلم: يوسف بن يحي الواهج.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق