بَابْ نْ وَمَانْ

وكان آنذاك
ضروريًّـا وجودُه (الساقي) في كل بلدةٍ أو مدينة في مزابَ بصفة خاصَّة،
لخصوصيةٍ يختصُّ بها المجتمع المزابي، وهي مغادرة أكثر الشباب والكهول القادرين
على العمل إلى مدنِ الشمال شرقا وغربا، للاسترزاق وكسب القوتِ، أو طلبِ العلم، فلا
يبقى في البلدة من الرجال إلاَّ من فرضت عليه ظروفٌ اجتماعية قاهرة، أو مزرعة يقوم
عليها، أو شيوخ متقاعدون وأطفال صغار في سنوات الدراسة الأولى.
ولـمَّـا كان
الماء من ضروريات الحياة لكلِّ ذاتِ كبدٍ رطبة، قام الأوائل رحمهم الله تعالى بحفر
أبارِ عديدة، وعميقة تبلغ العشرات من الأمتار في أغلبها، (وهي موجودة إلى أيامنا
هذه) في أحياء متفرِّقة من البلدة، سواء في أعاليها أو في سفوحها، وجعلوها مرافق
عمومية يستفيد منها كلُّ سكَّانِ البلدة، المقيمون منهم والوافدون، وذلكَ ضمن نظام
عرفيٍّ لا يعتدي عليه أحد، ولا تتوانى الهيئات في الحرص على تطبيقه.
لهذا كان
مطلوبا أن تتوفَّر في هؤلاء السقاة، صفات ضرورية، وعليهم أن يلتزموا بالتنظيمات
المقرَّرة من أولي الأمر في المجتمع، أهمُّها:
-
الاستقامة، والصلاح، وعزَّة النفس.
-
الأمانة وحفظ أسرار البيوت.
-
الوفاء بالمواعيد لتلبية حاجات الأسر من الماء.
-
نقل الماء بالوسائل الصحِّية النظيفة.
-
الالتزام بأوامر وتوجيهات أولي الأمر، خاصة عند الأزمات، كالجفاف مثلا.
-
توزيع الماء على البيوت للاستغلال البيتي الضروري للحياة، دون إسراف أو
تبذير.
-
إيصال الماء مجَّـانا إلى كلِّ الناس، إلاَّ ما يتقاضاه منهم أجرةً أو
إحسانا على الخدمة.

وفي الواقع،
لم يسجِّل التاريخ حسبَ علمي، أن أُوقفَ أحدُهم عن مهامِّه، لأنَّ هذه المهمَّة
يقوم لها رجالٌ صالحون، يبتغون منها الأجرَ الجزيل عند الله تعالى، لأنَّها مهمَّة
اجتماعية وانسانية نبيلة، باعتبار أنَّ الماءَ روحٌ وسببٌ رئيسيٌّ للحياة. ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ المــَـاءِ كُلَّ شَيءٍ حيٍّ﴾.
بقلم: يوسف بن يحي الواهج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق