أطفال القِفاف

فرحتُ أفكِّر
متعجِّبا من العصرنة التي تجرَّدت من الروح الانسانية، وأصبح التيَّار الحداثي
واقعا يفرض على المرء منَّا حسابات مادِّية محضة، ويضع وسائل ومعدَّات وتجهيزات
تخفِّف عنه المتاعب الجسدية، والمادِّية، والاقتصادية، دون أدنى اعتبار للاحتياجات
المعنوية، والروحية، والنفسية الضرورية للإنسان؛ مع علمها (العصرنة) ويقينها أنَّ
الانسان مادَّة وروح، وجسد وشعور.
تعاقبت
وترادفت هذه الأفكار في ذهني أمام مشهد الأمِّ التي تحمل وليدها في قفَّة (حمَّالة
أطفال)، كأنَّها تسوَّقته من أحد الأسواق والمتاجر، فاصلة بينه وبينها، بينما
الطبيعة والفطرة الالهية ربطت بينهما بحبل المشيمة جنينا، ثمَّ بالرضاعة مولودا،
والاحتضان حبيَّا.
وتذكَّرتُ
كذلك، زوجة صديقي التي أنجبت طفلة في الشهر الثامن من الحمل، فوُضعت في حاضنة زجاجية،
وأمرها الأطبَّاء أن تحتضن ابنتها ساعاتٍ عديدة كلَّ يوم، احتضانا يُلصق لحمَ جسدِ
الأمِّ بلحمِ جسدِ الطفلة دون حاجز يفصل بينهما.
كما تذكَّرتُ
أمَّهاتنا أيَّام زمان، وطريقة حملهنَّ أبناءهنَّ وبناتِهنَّ، بشكلٍ تلتصق فيه
الأجساد، وتتعانق الأنفاس، فتتجذَّر الرحمة، وتتعمَّق الحبَّةُ، فيجد البرُّ بين
الأمِّ والأبناء طريقا وسببا.
ثمَّ تساءلتُ،
ألا تكون الحمَّالة العصرية التي فرَّقت بين الأمِّ والولد، هي التي برَّدت قلوب
الأبناء على الوالدين، فكثرت مشاهد العقوق تجاه الآباء والأمَّهات.
بقلم:
يوسف بن يحي الواهج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق