الاثنين، 23 مارس 2015

شؤؤن اجتماعية

السنَّة لا تهدم القيَم


    زارني إلى المحلِّ صديقٌ بعد غيابٍ طويل، يرافقه ثلاثة صبيَةٍ من صلبه، فأردتُ أن أكرمهم بقطَعٍ من الشكولاطة، محبوبة الأطفال، وأنا أمدُّها إلى أوَّلهم بسط إليَّ كفَّه اليمنى ليتسلَّمها،

    فقلت له قبلَ أن أضعها في يده: أوران ... أورااان ... (أي بيدين اثنتين)
    كما أعلِّم أبنائي وأحفادي وكلَّ من يحيط بي.

    تدخَّل والدهم الضيف قائلا: تلقَّوا تعليمهم في روضة مسجد عباد الرحمان ببنورة، وفيها يقولون للأطفال لا تمدُّوا يديكما الاثنتين لتسلُّم العطايا والهدايا والاكراميات وأيَّ شيء من أيِّ شخص، كما عُلِّمتم في بيوتكم، فتلك بدعة لم تثبتْ سنَّةً عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.


    استغربتُ والله منطق هؤلاء المربِّين الذين يهدمون باسمِ السنَّة النبوية الشريفة قيَمَ وأخلاق أمَّة حضارية راقية، والنبيُّ الكريمُ عن منطقِهم ومنهجهم براء، براء.

    وأضاف قائلا: إنَّهم يعتبرون مدَّ اليدين تسوُّلا.
    فقلت له: أنا لم أرَ يوما متسوِّلا يمدُّ كفَّين لتسلُّم الصدقات التي يتسوَّلها، بل هم يمدُّون كفَّا واحدةً كما يريدون أن يعلِّموا أبناءنا.

    وقلت لصديقي العزيز: ما بال هؤلاء يقومون ويتصرّفون في يوميات حياتهم بالكثير أو الآلاف من التصرُّفات لم تثبتْ عن رسول الله لا قولا، ولا فعلا، ولا إقرارا.

    ألا تراهم يلبسون من اللباس نوعا أو شكلا أو تفصيلا، لم يلبسه رسول الله؟
    ألا تراهم يأكلون من الطعام مالم يأكله رسول الله، وعلى أوضاع لم ترد عن رسول الله؟
    ألا تراهم يركبون من المراكب ما لم يركبه رسول الله؟
    ألا تراهم يستعملون ويتحرَّكون في قيامهم وقعودهم ونومهم بمستلزمات وأغراض وأفعال لم ترد عن رسول الله؟
إلى غير ذلك من المحدثات التي دخلت حياة المسلمين من مشارق الأرض عبر العصور، ومن كلِّ الأمم والشعوب، والجهات المختلفة من العالم الاسلامي وغير الاسلامي، وهي قيَمٌ مثالية أخلاقية تخص وتميِّزُ هذه المجتمعات والأمم.

    فبأيِّ عقلٍ بربِّك يفكِّر هؤلاء، وبأيِّ منطق يحكمون، وعلى أيِّ منهج يعتمدون؟!
    إنَّما البدعة كما أحفظ عن أساتذتي ومشائخي جزاهم الله كل الخير، ما زاد في الدين عبادة، أو أفسد عقيدة، أو أحلَّ حراما، أو حرَّم حلالا.

    فاتقوا الله أيُّها الشباب في أمَّتكم، وفي قِــيَمكم، وفي أعرافكم، وفي سِيركم، فأكثرها من السنة النبوية التي تجهلون، وباقيها مثاليات اجتماعية وتراكمات حضارية راقية توارثناها عبر الأجيال، لا تفسد الدين، ولا تخرِجُ من الملَّة.


بقلم: يوسف بن يحي الواهج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق