من أدب المحنة:
جزاء الأمانة

ولمَّا
شبَّ وتخرَّج من المدرسة، فتح لنفسه محلاًّ في حيٍّ تجاري زاخر، وتخصَّص في كلِّ
ما يلزم المرأة من ملابس ومستلزمات يومية ومناسباتية، فاكتسب في وقتٍ قصيرٍ جدًّا
سمعةً طيّْبةً، وسَّعتْ محيط نشاطه، وزادتْ من زبائنه، بفضل أخلاقهِ الكريمة
وأمانته وحسنِ معاملتِه.
حتَّى أصبح موضعَ ثقةِ الحيِّ وسكَّانه،
يلجؤون إليه لوضع ما عزَّ وغلا لديهم من أموال ومجوهرات، مخافة أن تصلَ إليها عينُ
خائنٍ، أو تمتدَّ إليها يدُ لصٍّ.
فحدث ذاتَ ليلةٍ أن وقعت أحداث شغبٍ وسرقةٍ
وحرقٍ للمحلاَّت والبيوت، وتعرَّض متجر صاحبنا إلى الحرق والسرقة والتخريب،
فاتَّصلت به هاتفيًّا إحدى زبوناته بعد هدوء العاصفة الظالمة، وكانت قد وضعت عنده
مبلغا كبيرًا من المال تستأمنه عليه مخافة ضياعه في بيتها وبين أهلها وذويها،
ولمَّا استفرته عن أمانتها وهي شبه متأكِّدة من تعرُّض أموالها للحرق أو السرقة
ضمن محتويات المتجر من سلعٍ واموال.
أجابها التاجر قائلا: أمانتك
سيدتي محفوظة مصونة، لم يصبها أذى.
أجابته في استغراب: كنت
أتوقَّع أن تقول لي أنَّها احترقت أو سرقت مع محتويات المحل.
قال لها: أموال الناس
وأماناتهم هي أهمُّ عندي من كلِّ ما أملك. هكذا تعلَّمت وتربَّيتُ. وأرجو أن ترفعي
عنِّي هذه المسؤولية فتسترجعي أمانتك في أقرب وقت ممكن.
وتمَّ استرجاعها لأموالها كاملة غير منقوصة،
فزاد إعجابها وتقديرها للتاجر الشاب وأمانته النادرة في زمننا هذا، فحزنت لما حدث
له حزنا كبيرا، وتألَّمت لمصابه العظيم، ولم تجد للتعبير عن فرحتها بسلامة أموالها
ومكافأة الرجل الأمين على خلقه العظيم، إلاَّ أن تسعى جاهدة لبحث عن المجرم الذي
أحرق متجره، فتوصَّلت إلى فيديو صوَّره المجرمون بفخر لحظة سرقتهم لكلِّ محتويات
المحل قبل إضرام النار فيه.
فخاطرت بنفسها لتتحصَّل على نسخة من الفيديو،
ثمَّ هتفت للرجل تطلب لقاءه، وكم كانت دهشته كبيرة عندما قدَّمت له الشريط
المصوَّر وأبدت له استعدادها لتقديم شهادتها أمام الأمن.
وكان ذلك فعلا، فاسترجع الرجل كلَّ بضاعته،
وقبض الأمن على المجرمين.
هل
جزاء الإحسان إلاَّ الإحسان
بقلم:
يوسف بن يحي الواهج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق