الثلاثاء، 25 فبراير 2014

ردّ حواء إلى آدم:

    ردّ حواء إلى آدم:
    عزيزي آدم:
    أحيِّيك بتحيَّتنا الأولى أيّام الفردوس الأعلى الأولى قائلة: سلام الله عليك يا أب البشرية جمعاء.
    وصلني كتابُك وكلِّي شوق أن أقرأ ما يحمله من أخبار مبشِّرة عن توأم روحي الذي طال غيابه
    لا الأيام ولا الأماكن تنصفنا، فأقدار الله شاءت أن نكون بعيدين، ولكن أملي ومُنايَ أن نلتقيَ قريبا على أحسن حال بإذن المولى عزَّ وجلَّ.
    لمَّا فتحتُ كتابك تبيَّن لي من الحروف الأولى أنَّك في صحراء قاحلة، فخفق قلبي خوفا عليك من أشعة الشمس الحارقة، والرياح العاصفة، والزوابع الرملية القوية، التي تعترض سبيلك...

    ولكن لمَّا واصلت القراءة انشرح صدري وتيقَّنت أن الله لم يقدِّر لك أن تكون هناك عبثا، وإنَّما لتنقذ تلك البريئة من قبضة المتعجرف الذي أراد وأدَها، فقط ذنبُها الوحيد أنها أنثى، تنتمي إلى أرقِّ وألطف وأجمل جنس على وجه الأرض.
    ما أقسى ذلك الأب وما أغباه، ألم يتفكَّر في نفسه ولو لبرهة  قبل أن يفرُش الترابَ لابنته، أنَّ بداية خلقه كانت في رحم امرأة حملته تسعة أشهر، ثم وضعته وأرضعته وربَّته، وسهرت على راحته ورعايته حتى اشتدَّ عوده فأصبح رجلا؛ ألم يتذكَّر ذلك اليوم الذي قرَّر فيه أن يختار من بين الكائنات فتاةً، تكون شريكة حياته ورفيقة دربه ...؟ ألم يعلم أنَّه كان سببا بأن تتخلَّق تلك الفتاة في أحشاء من اختارها أمًّا لها ...؟
    ألستُ أنا أمُّهم حواء أنثى؟ أنتمي إلى الفصيلة التي يعتبرونها عارا وعيبا عليهم، وأنَّها تجلب الفقر لهم، أخلقني الله لأكون شريكة آدم ومؤنسته في وحشته وأن نتقاسم معا مصاعب الحياة ومسراتِّها؟   أم لأكونَ له فأْل شؤم له ...؟
    وأيُّ شؤم أكبر من ذلك الشؤم الذي اتخذتموه نبراسا في حياتكم بوأد بنتاكم ...؟! أيُعقل أن يدفن البشر فلذاتِ أكبادهم وهن على قيد الحياة ...؟! وفي المقابل نجد أن الحيوانات أرحم مع أبنائها، تحملها وترعاها وتحميها من كل الأخطار.
    غريب أمركم أيها البشر...!!! أيُّ قلوب تحويها صدوركم ...؟! أي عقول تفكرون بها ...؟!
    أليست البنت حبيبة أبيها؟ ألم يعلموا أنَّه تتنزَّل الرحمات والأرزاق على العائلة بمجرد أن يرزقوا بصبية ...، ألم يعلموا أنَّ الفتاة سند لوالديها عند كبرهما ...
    عزيزي آدم:  
    أحمد الله كثيرا على انقاذك لحفيدتنا، وتلقينك أباها درسا لا أظنُّه ينساه، فقد أيقظت فيه الضمير النائم، وأحسسته بأبوَّته وبمسؤولياته، وأشعرته بقيمة ابنته ...
    أرجو أن يكون عبرة لغيره، حتى ولو اختلفت طريقة الوأد، فهناك وأدٌ  بالدفن، وهناك وأدٌ بالحرمان العاطفي، ووأدٌ بالحرمان من أبسط الحقوق، كالتعليم، وعزلها عن العالم المحيط بها، وهناك وأدٌ بإعطائها الحرية المفرطة، التي ربما تؤدي بها الى الهلاك لا سمح الله ... فلا إفراط ولا تفريط، وأرجوا أن يتخذّ  أبنائي ما بين ذلك سبيلا ...
    وفي الأخير عزيزي آدم، تقبَّل تحيَّاتي القلبية، وأتمنىَّ أن لا يطول غيابك، فلا طعم للحياة من دونك، وإلى حين عودتك أدعوا الله أن يحفظك من كل سوء، وأن يُرجعك إلينا سالما غانما ...
                                                                             الوفية  حواء

بقلم: زهراء أمل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق