السبت، 29 أبريل 2023

كتابات أدبية: الحاج بابهون كروشي رجل خلَّدته أخلاقه

 

الحاج بابهون كروشي

رجل خلَّدته أخلاقه


    السيِّد الفاضل: الحاج بابهون بن حمُّو بن الناصر (رحمه الله).

    والدته السيِّدة الفاضلة: بيَّه بنت عيسى بورﭬـيبه.

    وُلد يوم: الثلاثاء 16رمضان 1357ه، يوافقه يوم: 08 نوفمبر 1938م، بمدينة بريان، ولاية غرداية، الجزائر.

    وكانت وفاته في يوم: السبت 03 رمضان 1444ه، يوافقه يوم: 25 مارس 2023م، بمدينة بريان، ولاية غرداية، الجزائر.

    "الحاج بابهون كروشي" (رحمه الله)، رجلٌ أحببتُه واللهِ، ولـم أُفجع -بعد أمِّي وأبي- لشخصٍ مثلَ فجيعتي بهذا الرجلِ المتميِّز.

    أقول هذا، لأنَّني كنتُ أمنِّي نفسي بالجلوس إليه في لقاءٍ أحمل فيه قلَما وقِرطاسا، وأصغي إليه سـمْعا وقَـلْــبا، وبكلِّ جوارحي واهتمامي، لأتلقَّى منه عِلما ومعرفةً لا أجد مثلهما في مدرسةٍ، ولا في معهدٍ، ولا
جامعةٍ، ولا يوجدان عندَ معـلِّمٍ، أو دكتورٍ، أو أستاذٍ؛ لأنَّـهما علم ومعرفة حياةٍ، وخبرةٍ، وتجربَة، وملاحظات تدبُّريةٍ إدراكيةٍ.

    لا أقول هذا واللهِ مبالغةً أو خيالاً، بل هي الحقيقة التي يوافقني عليها كلُّ من عرف الفقيد، وجلس إليه، واستمع إليه ولو مرَّة.

    فقد حظيتُ منه بأكثر من جلسة ولقاء، وفي كلِّ جلسة، وفي كلِّ لقاء أعدُ نفسي أن أعود إليه للقاء مطوَّل، ولكنَّ الحياة وتكاليفها وتشعُّبات أمورها ومصالحها وانشغالاتها جعلتني أسوِّف وأستأخر اللقاء، خاصَّة بعد أن حُظيتُ منه بحبل نَسَبٍ متينٍ إن شاء الله، وشعرتُ كأنَّني أصيحتُ أحد أفراد العائلة.

    كما عرفتُ "الحاج بابهون كرُّوشي" (رحمه الله) مرَّة في سفرٍ من بلدتنا بريان إلى الجزائر العاصمة، فكانت رحلةً ممتعةً لا تُنسَى بما كان فيها من حديث شيِّقٍ ثريٍّ مفيد لا يُشبع، ولا أبالغ أن قلتُ أنَّ مذياع السيارة لـم يشتغل أبدا على طول المسافة من بريان إلى العاصمة.

    إنَّ "الحاج بابهون كرُّوشي" (رحمه الله) ليس له شبيه واحد، فضلا عن الأربعين شبيها كما يدَّعيه المثل العربي –"يخلق من الشبه أربعين"-؛ تجمَّعت فيه (الفقيد) صفاتٌ ومناقبٌ وخلالٌ وأخلاقٌ عاليةٌ وراقيةٌ وكريمةٌ، تميَّز بها عن أيِّ شَبَهٍ، صفاتٌ يصعبُ عدُّها، ويعجز مثلي عن حصرها، فضلا عن الحديث عنها في هذه العجالة، ولكن أذكر منه عشرين خصلة على عجلٍ:

01-   الصلاح والاستقامة.

02-   الاهتمام بأمور المسلمين.

03-   صلة الأرحام.

04-   سَعةُ الصدر.

05-   حسن الأخلاق.

06-   الكرم والسخاء.

07-   واسع المعرفة.

08-   خدمة الصالح العامّ.

09-   النصيحة الصادقة للمسلمين.

10-   الحكمة والعقل الراجح.

11-   الحافظة القويَّة.

12-   الأناقة وحسن الهندام.

13-   روح التفاؤل.

14-   الروح الوطنية الصادقة.

15-   حسن العمل وإتقانه.

16-   الكسبُ الحلال

17-   حفظ الأنساب.

18-   دقَّة الملاحظة.

19-   حبُّ العلم وأهله.

20-   علم الحياة الواقعية. ... وغيرها كثير.

    ولكلِّ صفة من هذه الصفات مثال وحكاية أو قصَّة توثِّقها وتثبتُها، منها ما سمعتها منه مباشرة، ومنها ما شاهدتها وشهدتُ عليها بنفسي، ومنها ما بلغني عنه عن أشخاص موثوقين جدًّا، ومنها ما يحفظها عنه آل بيته الكرام.

    واليوم، برحيله المفاجئ أجدني أعضُّ بنان الندم -شخصيًّا- حتَّى يُدمي على ما فرَّطتُ من عِلمٍ غزيرٍ وراسخٍ، علمٍ وفكرٍ لا أظنُّني أجد مِثلَـه، أو نصفه، أو قليله عند غيره، وتلك واللهِ لهي الخسارة الكبرى، والخسارة العظمى.

    لهذا، وبهذه المناسبة الأليمة جدًّا، أنادي بأعلى صوتي، وبملء فَمي: أيُّها الشباب، أيُّها الطلبة، أيُّها المثقَّفون، أيُّها الكشفيون، أيَّتها الجمعيات، عليكم بمثل فقيدنا "الحاج بابهون كرُّوشي" على اختلاف مستوياتهم، واختلاف تخصُّصاتهم -وهم نوادر في بلدتنا- زاحموهم برُكبِكم، استفزُّوا ذاكراتهم بأسئلتكم المطلبية، واطلبوا منهم تفريغ ما في أعماقهم من عِلمٍ، وتاريخ، وتراث، وذكريات، لتوثِّقوها بأقلامكم على قراطيسكم، فهم والله خزائن معرفة مثلها مثل خزائن المكتبات الزاخرة.

    فلنستدرك الأمر جميعا، فقد أصبح والله من أوجب الواجبات على المدارس، والجمعيات، وأفواج الكشافة، وإن لـم نفعل ستفقد الأجيال الحاضرة واللاحقة الكثير من الأصالة، والقيَم، والمثُل، فيغدون أمَّة لا جذور لها.

بقلم: يوسف بن يحي الواهج

يوم 25 مارس 2023م

هناك تعليق واحد:

  1. اللهم ارحمه واغفر له واسكنه الفردوس الاعلى.

    ردحذف