حديث القلب وخواطر النفس
يُخطئ من يعتقد أنَّ الشعر بكلِّ أشكاله: الفصيح العمودي منه أو الحرِّ، أو اللحون الدارج، أو الأمازيغي، أو غير ذلك. قلت يخطئ من يعتقد أنَّ الشعر أدبٌ للمتعة الأدبية في مبالغاته وخيالاته التي يصفها بعضهم بالكذب حتَّى جاء منهم مَـثَـلٌ أصبح الجيل بعد الجيل يرويه ويردِّده: -"أجمل الشعر أكذبه"-.
إلاَّ أنَّني
أرى غير ذلك، لأنَّني أجد الشعر منجما للكثير من الكنوز الإنسانية المعرفية، ففيه
نجد اللغة الصحيحة التي بها تحفظ الشعوب لغتها، وبه تصحِّح الأجيال لسانها اللغوي،
وفيه يجد القارئ متعة الأدب وفنونه، وهو (الشعر) أيضا حافظة أمينة للأمثال الشعبية
والكنايات الأدبية، وفيه يجد المؤرِّخ توثيقا جيِّدا أمينا للأحداث التاريخية
ومختلف المناسبات التي تنظَّم فيها القصائد خاصَّة.
وأنا الآن لستُ في صدد كتابة بحث في الموضوع، والإتيان بأمثلة لذلك وما أكثرها، وجئت بقولي هذا مقدِّمة للديوان الشعري: -"حديث القلب وخواطر النفس"- لفضيلة الشيخ: محمَّد بن إبراهيم سعيد كعباش (حفظه الله)، هذا السفر الشعريُّ الأدبيُّ الذي لا يرغب أن يسمِّيه "ديوانا"، لأنَّني وجدتُ فيه كلَّ ما قلتُ آنفا.
نعم، وجدتُ
فيه اللغة العربية الفصيحة والبليغة، في أجمل وأرقى عباراتها، وهذا ما يجعله كتابا
مفيدا لطلاَّب العلم خاصَّة، يستطيعون بقراءته تحسين مستواهم اللغوي قراءة، وفهما،
واستعمالا؛ وبه يكتسبون رصيدا لغويا راسخا وصحيحا ينفعهم في كتاباتهم وتعابيرهم
ومؤلَّفاتهم.
كما وجدتُ
فيه توثيقا أمينا لأحداثٍ كان الشيخ كعباش (حفظه الله) الشاهدَ والمشاهدَ والحاضرَ
فيها، أو المساهم في مجرياتها، فجميل للمؤرِّخ أن يهتمَّ أيضا بالدواوين الشعرية،
فلا شكَّ أنَّه سيجد فيها كما في هذا السفر الذي بين يديَّ الآن تاريخا وسيَرا
وتراثا.
فقد وجدتُ
فيه أنا القارئ الهاوي ما يفيدني، ويثري معلوماتي في مجال اهتماماتي المحلِّية على
الأقل، فقد وجدتُ فيه:
1- قصيدة بعنوان: -"يا كوكبا ما كان أقصر
عمره"-، يوثِّق فيها الشاعر وفاة الطالب الخلوق الذكيِّ المرحوم: "يحي
فارة". في دار البعثات العلمية المزابية بالقرارة، إثر نوبة بالضغط
الدموي. ص: 35.
2- قصيدة بعنوان: -"مرحى بصقر الكنانة"-،
يوثق فيها الكاتبُ شعرا الحفل الاستقبالي التاريخي الذي أقيم للشيخ محمَّد علي
دبوز (رحمه الله) عند عودته من مصر، وكان ذلك في نادي الحياة بالقرارة سنة:
1948م. ص: 36.
3- قصيدة بعنوان: -"من سويداء القلب"- قطعة
شعرية أخرى رائعة، يرحِّب فيها الشيخ الأديب مرة ثانية بـالشيخ محمَّد علي
دبُّوز (رحمه الله)، ولكن هذه المرَّة في مدينة العطف، التي زارها رفقة فضيلة الشيخ
عبد الرحمن بن عمر بكلِّي، والدكتور محمَّد بن عمر لعساكر (رحمهما
الله). ص: 60.
4- قصيدة بعنوان: -"وفاء بحقِّ الصداقة"-،
عبَّر فيها الشيخ كعباش حفظه الله عن صداقته وزمالته ووفائه بصديقة الشيخ يوسف
بن حمُّو ابن زايط (حفظه الله)، وذلك بمناسبة زفافه الميمون في بريان سنة
1948م. ص: 61.
5- قصيدة بعنوان: -"النعمة الكبرى"- قصيدة
رائية القافية، عبَّر فيها الشاعر في شبابه ودراسته بتونس فن فرحته بالسكن الجديد
الذي اقتنته الجمعيات الإصلاحية لأبنائها الطلبة الدارسين في تونس الشقيقة، وكان
ذلك سنة 1952م. ص: 85.
والكتاب هو في الحقيقة يجمع بين الأدب الممتع
الراقي، والشعر الفصيح البليغ الجميل، والتاريخ الموثَّق والموثِّق لأحداث فترة
زمنية هامَّة مهمَّة في تاريخ الجزائر، في زمن الثورة التحريرية، ولوادي مزاب
والمجتمع المزابي، والحركة الإصلاحية.
فحريٌّ بنا وبكلِّ مثقَّفٍ ومهتمٍ بالأدب
والثقافة والتاريخ أن يولي بهذا الديوان الشعري الاهتمام الذي يزيدنا علما ومعرفة وثقافة.
وكم تمنَّيت لو أثرى الشاعر كتابه بإحالات
توضيحية لبعض الأحداث، وتعريفية ببعض الأسماء الواردة فيه لأعلام وشخصيات كانت لها
أدوار في الحياة الوطنية والاجتماعية.
v بطاقة فنية للديوان:
-
العنوان: حديث القلب وخواطر النفس.
-
نظم الشيخ محمَّد بن إبراهيم سعيد كعباش.
-
عدد الصفحات: 135.
-
يضم: تسعة وستين (69) قطعة منظومة.
-
في آخر الكتاب: تعريف موجز بالمؤلِّف.
-
نشر وتوزيع: مكتبة التوفيق، العطف، غرداية، الجزائر.
بقلم يوسف بن يحي الواهج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق