"لَمْشِيخِيتْ"حكاية مكيدة
إنَّها حكاية
سبعة مشايخ من مدينة بريان، منهم: الشيخ يحي بن السايح بن عابو الطالب
باحمد1 وكان ضريرا رحمه الله، قصدوا مدينة غرداية للمساهمة في حلِّ مشكلة كانت تعيشها البلدة مع أناسٍ ينتمون
إلى عرشٍ من عروش غرداية قدموا للسكن والإقامة في بريان، ولكنَّهم عاثوا في الأرض
فسادا، وفي العباد ظلما وعدوانا؛ فشكاهم أعيان البلدة إلى كبار وأعيان عرشهم
بغرداية، فاجتمع المجلس الموسَّع الذي يضمُّ ممثِّلي جميع الأعراش الساكنة بوادي
مزاب، فحكموا أن يُخـــرَجوا من البلدة ولا يسكنوها نهائيا، وطلبوا من وفد بريان
أن يقوموا بجرد وتقييم أموالهم لتعويضها لهم.
ففعل المشايخ
ذلك، واتجهوا مرَّة ثانية إلى مدينة غرداية بعد الجرد والتقييم، وعندما وصلوا "شَعـبَة
زَغْرَاتَة" اعترض طريقَهم أحدُ سكَّان البادية، فدعاهم إلى العَشاء عنده
في الخيمة، فلبُّوا الدعوة شاكرين له كرمه.
وكان الطبَق
الذي أحضره لهم يتمثَّل في أكلة "إِوْزَانْ"2، وأثناء
الأكل تفطَّن أحد المشايخ بفراسة وبصيرة المؤمن أنَّ الدعوة ما هي إلاَّ مكيدة،
وأنَّ في الأكل شيء مَّـا ينبئ بالغدر، فقال لرفاقه:
-
إنَّ هذا الأكل عشاء قبر "أَمَنْسِي نُ نِيلْ"3.
فكان الأمر
كذلك، عندما خرجوا من الخيمة بعد العشاء، وعلى خطوات قليلة من الخيمة غلبهم
النعاس، فآوَوا إلى ربوة ترابية رطبة طلبا للراحة والتقوِّي على المسير مجدَّدا،
فجاء الغادرون وحفروا تحت رؤوس المشايخ -حتَّى لا يستطيعوا النهوض والهرب- وهم
يغطُّون في نوم عميق من تأثير ما أكلوا، فذبحوهم كما الكباش واحدا تلو الآخر.
وبعد ثلاثة
أيَّام، ظهر على مشارف البلدة فرسُ أحد المشايخ منفردا دون صاحبه، فتساءل الناس عن
صاحب الفرس ورفاقه، وقد علِموا أنَّهم قد سافروا إلى غرداية في مهمَّتهم النبيلة،
فاتبعوا آثار الفرس حتَّى عثروا على مشايخهم وهم مسجون في الخلاء وسط بِرك من
الدماء. فكبَّروا الله وهلَّلوا ووحَّدوا وحوقلوا، ودعوا على الغادرين الظلَمة،
ولـم يكن لهم من الأمر إلاَّ أن يدفنوهم في المكان نفسِه، ويترحَّموا عليهم ﴿إِنَّــا
للهِ وَإنَّــا إِلَــيهِ رَاجِعُونَ﴾.
فأصبح المكان يسمَّى "لَمْشِيخِيتْ"، واتخذه الناس مزارا إلى يومنا هذا، يتردَّد عليه بعض السكان من البلدة بين الفينة والأخرى، لتلاوة ما تيسَّر من القرآن الكريم، والترحُّم على شهداء الواجب الإصلاحي بين المسلمين، وتوزيع بعض الصدقات.
----------------------------------------
![]() |
1- نتمنَّى أن نعثر في ذاكرة أحد المسنِّين أسماء البقيَّة
منهم.
2- "إِوْزَانْ": أكلة
محلِّية تطبخ من القمح اللين مطحونا.
3- عشاء القبر، "أَمَنْسِي نُ نِيلْ": هو عشاء
يقدِّمه أهل الميِّت على روح فقيدهم، ويدعى إليه أقاربه وجيرانه.
*ملاحظة: الشكر موصول
للأستاذ: السايح بن صالح الطالب باحمد، على إفادتي بهذه الحادثة، رواية عن شيخنا
الفاضل: إبراهيم بن باعلي العساكر "الزعيم". وكانت مقابلتي معه يوم: 07
جوان 2021م.
تحرير النصِّ بقلم: يوسف بن يحي الواهج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق