بنك الزمن
من أجمل ما قرأت، وأحدث ما عرفت من برامج اجتماعية
وإنسانية فكرة "بنك الزمن" أو بنك الوقت، أو بنك إيداع الوقت، وهو
ببساطة:
-
رعاية أحد المسنَّات أو المسنِّين
العجزة في بيته.
-
مرافقة المرضى دون أهلٍ أو راعٍ
في المستشفيات.
-
خدمة مريض عاجز في بيته.
-
مرافقة معوَّق أو معوَّقة يحتاج
إلى مساعدة.
-
تمشية مريض تلزمه رياضة المشي.
-
مؤانسة وحيدة أو وحيد لا أهل أو
أنيس له.
إلى غير ذلك من الخدمات التي يمكن أن يقوم به المرء في أوقات فراغه، أو أثناء عطله، أو عند تقاعده تجاه الآخرين، ويُحسبُ له ذلك الوقت كمدَّخرات في "بنك الزمن" يصرف منه ما يشاء، متى يشاء عندما يحتاج إلى مساعدة مجَّانية عند مرضه لا قدَّر الله، أو عجزه في كبره وتقاعده.
وهو أي البنك، كأيِّ بنك آخر، تعترف به
الحكومة السويسرية، ويمكن لأيِّ مواطن الانخراط فيه، والاستفادة من خدماته، بعد
تجميع رصيد له فيه ممَّا يقدِّمه من خدمات اجتماعية سابقة.
وقد أصبح هذا الأسلوب في سويسرا كضمان
اجتماعي للمواطن، يساهم في رعاية وخدمة المسنِّين، والمرضى، وذوي الاحتياجات
الخاصَّة، وكلِّ من كانت ظروفه في مثل ظروفهم. وذلك ضمن شروط ونظام محدَّد تحفظ
الحقوق لكلِّ الأطراف، مثلما يشترط في المشترك:
-
أن يكون سليماً صحياً.
-
القدرة على العطاء والتواصل مع
الآخرين.
-
القدرة على التحمل.
-
الرغبة في تقديم الخدمات بنفس
راضية وإخلاص.
وهي (فكرة البنك) لعمري فكرة رائعة راقية، من
صميم الثقافة الإسلامية الاجتماعية الانسانية، وكان من الأجدر أن يتفطَّن لها
المسلمون قبل غيرهم، بدل توفير ديار الرحمة، أو دور العجزة وغيرها ممَّل يكلِّف
الدولة عبئا ماليا كبيرا، ويضع هذه الفئات من المجتمع في معاناة كبيرة، ويضعها تحت
رحمة موظَّفين لا همَّ لهم سوى الراتب الذي يعملون من أجله، وقد لا يحملون من الرحمة
والإنسانية شيئا.
وعن هذه التجربة، يحكي طالب أجنبيٌّ بسويسرا،
أنَّه كان يسكن في غرفة عند امرأة تبلغ من العمر سبعا وستِّين عاما، وكانت تعمل
مدرِّسة قبل تقاعدها، وهي تتسلم راتبا محترما من تقاعدها، لكنه لاحظ أنها تذهب إلى
العمل مرتين في الأسبوع، وكان عملها هو رعاية المسنِّين، وكانت ترعى آنذاك مسنًّـا
عمره سبعا وثمانين سنة.
وسألها الطالب يوما إن كانت تعمل لكسب المال
فقالت له: إنها لا تعمل لأجل المال بل لتكسب الوقت، وأنَّها تودع لنفسها وقتاً في
بنك توفير الوقت أو بنك الزمن، وهي بذلك تدَّخر لنفسها زمنا تستطيع أن تصرف منه
عند الحاجة.
وبالفعل، عاش ورأى الطالب هذا كيف استفادت
المرأة من رصيدها في بنك الزمن، عندما قدَّر الله لها أن تسقط وتُصاب، كيف تقدَّمت
بطلبٍ إلى البنك لسحب ما تحتاجه من رصيدها؛ فجاء المساعد الذي عيَّنه البنك،
لرعايتها ومرافقتها، وقضاء حاجياتها من السوق؛ كما أرسل لها ممرِّضة عندما احتاجت
لذلك. وعادت بعد تعافيها إلى العمل مرَّتين في الأسبوع كعادتها لتعويض ما خسرته من
الوقت في رصيدها ببنك الزمن.
أخي القارئ المسلم:
هكذا يعمل "بنك الزمن" أو
بنك الوقت، أليس الأمر سهلا وممكنا جدًّا أن نقوم بمثله في مجتمعاتنا، تحت أي عنوان،
البنك، أو المؤسَّسة، أو الجمعية، أو العشيرة، أو..؟؟
بقلم: يوسف بن يحي الواهج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق