أبناؤنا وبناتنا بين المرجعيات الوافدة
والتربُّصات القاصرة

وبقدر ما
أسعدني اعتمام بناتنا بأمور دينهنَّ، آلمني كثيرا أن يأخذن دينهنَّ من خارج
مرجعيتهنَّ الوطنية والمذهبية التي ينتمين إليها، وما حزَّ في نفسي أكثر عندما
وجدتُ إحداهنَّ لا تعرفُ القضاء في الصلاة، ولا الاستدراك، ولا علامات البلوغ، وغير
ذلك مـمَّا يُعلم من الدين بالضرورة، وقد مرَّ عليها بضع سنوات على تربُّصٍ مغلقٍ
خاصٍّ تعليم الصلاة.
وهنا
تأكَّدتُ بشكلٍ جيِّد، أنَّ التربُّصات المغلقة لتعليم الصلاة، التي تقام سنويَّا
لأعدادٍ كبيرة من البنين والبنات، لم تعُد تفي بالغرض المطلوب منها، وأسباب ذلك
عديدة، لا يمكن أن آتي عليها جميعا هنا في هذه الصفحة، ولكن أذكر منها على سبيل
المثال:
-
قصَر المدَّة المحدَّدة للتربُّص.
-
مستوى وتخصُّص الأساتذة الممرِّنين.
-
المقرَّرات والمناهج...
قد يردُّ على هذا أنَّ
التربُّص يقدِّم للطالب للبالغة والبالغ الصلاة أداء وأحكاما، ويعوِّل على
الوالدين بمتابعة أولادهم بعد التربُّص؛ ولكنَّ هذه المسؤولية التي ترمى على
الأولياء تصلح في شقِّ الأمر بالتزام مواقيت الصلاة، والحرص معهم على أدائها، أمَّـا
في الجانب الفقهي التعليمي فليس هو دور الوالدين، خاصَّة أن مستوياتهم العلمية
تتفاوت، إضافة إلى انشغالهم بالأمور والواجبات الوظيفية والأسرية وهمومها.
فشعرتُ بكثير من الأسف على التقصير الكبير
الذي آلت إليه منظومتنا التربوية الحرَّة، هذه المنظومة التي تأسَّست يوم تأسَّست،
ورُسم نهجها يوم رسم لتعليم أبنائنا وبناتنا أمور دينهم أساسا، وقبل أيِّ علمٍ
وتخصُّصٍ آخر، لترسيخ العلوم الشرعية والأحكام الفقهية في ذهن وذاكرة الطالب
والطالبة بالتدريج عبر سنوات الدراسة.
كما تأسَّفتُ
أشدَّ الأسف على غياب الدعاة والداعيات، والمرشدين والمرشدات، والفقهاء والفقيهات
عندنا من الشبكة العنكبوتية، ومواقع التواصل الاجتماعي المقروءة والمسموعة
والمرئيَّة. وأذكر مرَّة أنَّني تحدَّثتُ مع بعض الدعاة في هذا لموضوع، لأنَّني
أراه اليوم من واجبات رجال العلم والدعوة في زمن الرقمية والتكنولوجيا، وهو لعمري واجب
شرعي في مستوى الجهاد والعمل الخيري في سبيل نشر العلم وإحياء وإعلاء كلمة الله
تعالى.
وإنَّها
والله لثغرة من الثغور التي يجبُ أن يتصدَّى لها أهل العلم والدعوة، أمام التزاحم
الكبير الذي نراه على المواقع والمنصَّات الالكترونية، على اختلاف مشاربها
ومذاهبها وأهدافها؛ فقد أصبح من الواجب ومن الضروري جدًّا أن يكون لمرجعيتنا
المذهبية الوطنية وجود فعَّال ومتفاعل، ونشاط كبير يصل إلى كلِّ الفئات من
المجتمع.
ختاما،
أتمنَّى صادقا أن يتدارك مسؤولو التربية والتعليم في وادي مزاب عموما هذا الموضوع،
ويصلحوا ما يمكن إصلاحه قبل فوات الأوان، كما أرجو من الدعاة والفقهاء أن يكون لهم
حضور منظَّم هادف في المواقع الاجتماعية الالكترونية، على اختلاف منصَّاتها
ومنابرها.
بقلم: يوسف بن يحي الواهج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق