الشبهة الحادية عشر: الشحُّ
والبخلُ
ونسجوا عنه حول هذه الإشاعة قصصا ونوادرَ
مُضحكة، يضحك المرءُ على مصدِّقها ومردِّدها أكثر ممَّا يضحكُ للقصة والنادرة
والفكاهة؛ وممَّا نسجوا وأبدعوا في هذا الشأن، نذكر على سبيل المثال:
"رجلٌ
يضربُ ولده ضربا مبرِّحا، وهو يسأله:
- من أبوكَ؟
يجيب الولد المسكين:
- أنتَ أبي يا أبي.
فيشدِّد الضربَ على الولد مرَّة ثانية، وهو
يسأله:
- من هو أبوك يا ولد؟
يجيب الولد باكيا:
- أنت يا أبي.
فيكرِّر الضربَ مرَّة ثالثة ورابعة، حتَّى
يقول الولد:
- أبي هو دُّورو (الدينار) يا أبي.
إشارة إلى حبِّ المزابي للمال، وغرسِ ذلك في
ولده.
ويقولون كذلك ادعاء باطلا:
-"إنَّ
رجلان مزابيان تراهنا على مبلغ من المال (1000 دينار مثلا)؛ حيث عليهما أن ينزلا
إلى بئر فيها ماء، فيغطسا رأسيهما في الماء، ومن يتحمَّل أكثر ويصعد من الماء
الأخير، يكون المبلغ المرصود من نصيبه.
فلم يَخرجا من الماء حتَّى ماتا، لأنَّ
كلاهما يريد المال لنفسه."-.
والحقيقة الناصعة الصادقة، أنَّه ليس أكرم من
المزابيِّ، فيده مبسوطة للكلِّ، وفي كلِّ مكان تواجدَ فيه، وفي كلِّ زمان؛ وليس من
الصعب أن يتأكَّد المرءُ وكلُّ مدَّعٍ من ذلك؛ فقط عليه أن يكون منطقيَّ التفكير،
ثاقبَ النظر، صحيحَ الموازين، نظيفَ الخلفيات، خالٍ من الضغائن، فيقتربُ من أيِّ
مزابيٍّ كان، في أيِّ مكان، وفي أيِّ زمان، فسيجد ما يخالف تلكَ الدعاوي الباطلة،
والاتهامات الجائرة، والأقاويل الظالمة، والمعلومات الكاذبة.
فعند المزابي التاجر، يجد الزبونُ والضيفُ
النزيل كؤوسَ الشاي معروضة كلَّ صباح، يكرم بها روَّاد محلِّه أو شركته؛ كما يكرم
في كلِّ مناسبة جيرانه المقيمين في نفس العمارة أو الحيِّ، ببعض ما يدخل بيته من
مزاب خصوصا، كالتمر ومشتقَّاتها، وغير ذلك.
وفي كلِّ بيتٍ
يبنيه المزابي يخصِّص فيه جناحا مريحا كامل المرافق، للضيوف الوافدين إليه من هنا
وهناك، كعابري سبيل أو مدعوِّين، فيقدِّم لهم أحسنَ ما عنده من طعام وشراب وفراش،
إيمانا منه بقوله تعالى: ﴿لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّـا تُحِبُّون﴾
وهو يستوعبُ جيِّدا المعنى الحقيقي لكلمة: مِمَّا تحبُّون.
وإن أقام وليمة صغيرة كانت أو كبيرة، قدَّم فيها
ما لذَّ وطاب من الطعام والشراب، وبسطَ الوثير الجميل من الفراش، فرحا وسعادة
بالحاضرين، وكلَّما زاد عددهم، ازداد فرحه وسروره.
فهل يصحُّ ويجوز أن يوصف رجل أو قوم على مثل
هذه الصفات والأخلاق بالشحِّ والبخل واليدِ المغلولة؟؟!! إنَّما هو الجهل القبيح،
والظنُّ الذميم الذي يفع بالبعض إلى إطلاق هذه الصفة الباطلة على المزابيين؛ بينما
الواقع الصحيح هو الرغبة في الاقتصاد الحكيم، والتوسُّط في العيش، وضبط النفس في
الاستهلاك. –"الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة"-، على نهج وتوجيه
القرآن الكريم: ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ
تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَذُمُومًا مَحْسُورًا﴾ الإسراء 29.
بقلم: يوسف بن
يحي الواهج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق