الاثنين، 5 مارس 2018

من ثمرات الكتب: "المنهاج" أوَّل مجلَّة جزائرية في مصر


"المنهاج"
أوَّل مجلَّة جزائرية في مصر

    كتب الشيخ عبد الحميد بن باديس (رحمه الله) مقالا رائعا، نشرته جريدة المنتقد بتاريخ: الخميس 23 مجرَّم 1344ه، الموافق لـــــ 13 أوت 1925م، تحدَّث فيه عن أبناء الجزائر خارج بلادهم، وإنجازاتهم وأعمالهم هنا وهناك من خريطة العالم الواسعة.
    استُــــفِــزَّ لكتابة هذا المقال كما يقول الشيخ عبد الحميد، عندما وصله العدد الأوَّل من مجلَّة "المنهاج" التي كان الشيخ: أبو إسحاق إبراهيم أطفيَّش (رحمه الله) يصدرها من مصر الشقيقة.
    ولمــَّا لم أكن أعرف أنَّ هذه المجلَّة "المنهاج" هي أوَّل نشرة أو مجلَّة جزائرية تنشر خارج الجزائر، رغبتُ أن أعمِّم هذه المعلومة بين الجزائريين من المثقَّفين والكتاب والمؤلِّفين، لعلَّها تفيدهم وتثري مؤلَّفاتهم، فيتدعَّم بها مجد الجزائر، ويفتخر بها الجزائريُّون.
    فإليك أيُّها القارئ الكريم، نصَّ المقال كاملا كما جاء في جريدة المنتقد، عدد: 07. (يوسف الواهج).

    -"العدد 07:                                                الخميس 23 محرَّم 1344ه
                                                                              13 أوت 1925م

أبناء الجزائر خارج بلادهم.
أو تقريظ مجلَّة (المنهاج)

    لكلِّ أمَّة من الأمم أخلاق وعقائد وأفكار اكتسبتها من ظروف أحاطت بها وبيئات نزلتها وأحوال اجتماعية مرَّت عليها في أجيال وأحقاب.
    تلك الأخلاق والعقائد والأفكار تظهر بارزة في أفرادها وجماعاتها، وتميُّزها عن غيرها من أمم الأرض.
    يرثها الفرد عن أسلافه حسنها وقبيحها عاليها ومنحطَّها صحيحها وفاسدها بنسب متفاوتة ثمَّ يورثها أبناءه فتتوزَّع فيهم على نسب مختلفة كذلك، وهكذا يستمرُّ الأمر طردا وعكسا بناموس الوراثة المشهور وفي أثناء ذلك تعمل التربية والإصلاح والشؤون المختلفة المتجدَّدة عملها في التبديل والتحويل والتقويم والتعويج، وبحسب ذلك تعلو الأمَّة وتسفل في مدارج المدنية والرقي.
    غير أنَّ الأمم التي رسخت لها قدم في المدنية ومرَّت عليها أجيال في سعادة وسيادة لا تزول من رؤوس أبنائها شعلة الذكاء ولو أحاطت بها ظروف سيِّــــئة قضت عليها بالانحطاط والاستعباد، ومهما ساعدت الأحوال أبناءها رأيتهم كغيرهم من أبناء الأمم الراقية غير متأخِّرين عنهم في خطَّة سيفٍ أو قلمٍ، وهذا هو حال الأمَّة الجزائرية في ماضيها وحاضرها. فقد ازدهرت المدنية قرونا بعاصمة تلمسان وبجاية وقلعة بني حمَّاد، وأنجبت هذه العواصم وغيرها من مدن القطر نوابغ في العلوم المعروفة في ذلك العهد كانت لهم آثار بالقروِّين وجامع الزيتونة وتخرَّج عليهم الفيلسوف الاجتماعي ابن خلدون.
    لقد دالت دول وحالت أحوال على هذا القطر وانطفأ فيه نور العلم وانقطع منه سند التعليم حتَّى نسي أبناؤه أنفسهم وجهلوا تاريخهم وأصبحوا في الجهل والانحطاط عند كتَّاب الشرق والغرب مضرب الأمثال.
    ثمَّ انظر بعد هذا إلى أفراد منهم تقدَّموا اليوم إلى موارد العلم، أين كانوا من رفقائهم؟ إنَّك تجدهم في الكلِّيات الفرنسوية غالبا في الصفوف الأولى وتجدهم في الكلِّية الزيتونة كثيرا ما يأتون مجلِّين أو مصلِّين بين إخوانهم في امتحان التطويع، ولو سمح لهم القانون التونسي لكانوا كذلك في امتحان التدريس.
    ثمَّ انظر أيضا إلى جماعة من أبناء الجزائر خرجوا منها أيَّام الاحتلال الفرنسوي وبعده لأسباب وكانوا في بيئات راقية ساعدتهم على إظهار مواهبهم واستعدادهم الموروث فكان منهم الزعيم الكبير كالشيخ الثعالبي والسيِّد حسن ﭬـلاتي الذين ما دارت الحركة في حزبيها إلاَّ عليهما، والصحافي الشهير كالصنادلي شيخ الصحافة التونسية، والعالم الخطير كالعلاَّمة الشيخ الخضر بن الحسين، والكاتب الضليع كالسيد أحمد توفيق المدني والعالم المفكِّر كالشيخ أبي إسحاق إبراهيم أطفيَّش، هؤلاء الفضلاء كلُّهم من الطينة الجزائرية، وكما أنَّهم ثمرات بيئاتهم التي لها الفضل في تكوينهم كذلك هم دليل قاطع على رقيِّ الفكر الجزائري وقبول الأمَّة الجزائرية الرقي بسرعة إذا ساعدتهما الظروف كما ساعدتهم.
    كتبت هذا وبين يديَّ العدد الأوَّل من مجلَّة "المنهاج" التي أنشأت (أنشأها) الشيخ أبو إسحاق إبراهيم أطفيَّش الجزائري المقيم بالقاهرة لأقدِّم لإخواني الجزائريين هاته المجلَّة الراقية التي هي أوَّل نشرة جزائرية في مصر عروسة الشرق الأدنى ومجمع أممه ومطمع أنظارهم وعاصمة لغة الضاد، وأدعوهم إلى مؤازرتها لتظهرهم هنالك بالمظهر الشريف وتعرب عن حالهم أمام أمم الشرق وأبناء العربية وترمي وراءهم بسلاح الحقيقة في دفاع مجيد.
    وهي مجلَّة علمية سياسية اجتماعية نصف شهرية تصدر بالقاهرة غرَّة كلِّ شهر عربيٍّ مؤقَّتا اشتراكها جنيه مصري عنوانها: المطبعة السلفية بشارع خيرت رقم القاهرة.
    وهاكم شيئا مما قاله في افتتاحيتها وهو يبيِّن خطَّــتها ومشربها، قال:
-"ولا نألوا جهدا ولا ندَّخر وسعا في الإلمام بمواضيع علمية ومسائل اجتماعية ومقتطفات أدبية إفادة للقرَّاء الكرام، وفي الدفاع عن الأمَّة وإيقافها على مجاري الأمور بالبلاد الغربية، وفي إخلاص النصح لها ولحكوماتها، كما أنَّنا لا نحرم إخواننا أهل المشرق من أبناء بلادنا المغرب ليحصل الارتباط والتعارف التامَّان بين الأقطار الإسلامية وشعوبها وليتَّحد العمل في إحياء المجد المندثر للإسلام، ذلك المجد الذي جاء به القرآن فسعد به العالم حينا من الدهر، وأعطى للبشر أرقى تشريع وأسمى نظام عسى أن يعود شبابه "وما ذلك على الله بعزيز".
    وسنتحف القرَّاء بمقال منها في العدد القادم إن شاء الله."-

عبد الحميد بن باديس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق