مسجد حيِّنا بين الأمس واليوم

استفزَّني
المشهد، مشهد المصلِّين يشرئبُّون إلى مداخل المصلَّى ينتظرون دخول الإمام،
والمؤذِّن واقفٌ أمام المحراب ينتظر حضرته ليقيم الصلاة، والكلُّ في قلق من فوات
الوقت، خاصَّة أنَّ وقتَ صلاة المغرب ضيِّق للغاية.
أخيرا حضر
الإمام، وما أن رمقه المؤذِّن حتَّى صدحَ بالإقامة، فصلَّينا المغربَ خلفه، وأغلب
المأمونين غير خاشعين في صلاتهم لأنَّهم ــــ دون شكٍّ ــــ مثلي (الذين في مثل
سنِّي) منشغلي الفكر بما يشهدون اليوم مخالفا لما ألفوه بالأمس.
وما
استفزَّني أكثر، ودعاني إلى كتابة هذه الفقرات متألِّما باكيا، انصرافُ الإمام
مسرعا من المحراب بعد فراغه من الصلاة ويخرج من الباب الذي دخل منه كالهارب من
مجلس سوء؛ عندها عرفتُ الفرقَ بين عمَّار المساجد وبين زوَّارها. ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَن آمَنَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِر﴾.
خرجَ الإمام
من المسجد، وبقيتُ أنا مستندًا إلى قاعدة عمودٍ من أعمدةِ السجد، أعود بذاكرتي إلى
زمنٍ جميلٍ عشتُه تحتَ هذه الثريَّا الزجاجية الجميلة، وبين هذه العمدة المنتصبة،
ورحتُ أعرضُ اليومَ على الأمسِ بحثا عن حبل مشيمي بين اليومينِ أو العهدين؟؟؟ !!!
فرأيتُ
كما يرى النائم في جميل أحلامه:
01-
الإمامَ شيخا وقورا، يمشي على الأرضِ هونا، يسبقُ المؤذِّنَ إلى المحراب.
02-
شيخَ الحلَقَة وإمامها مُحاطًا بأعضائها، يتحلَّقونَ أمام المحراب لتلاوة
القرآن جماعةً.
03-
أعضاءَ الحلقة شيوخا وكهولا، مشتملين بالحائك الصوفي ــــ أحولي ــــ
يزدادون به مهابة ووقارا واحتراما.
04-
الصفَّ الأوَّل من المصلِّين يضمُّ من اقصى يمينه إلى أقصى يساره، في صدره
أعضاء حلقة العزَّابة الموقَّرة، وعلى جناحيه أعضاء هيئة إروان.
05-
الصفَّ الثاني من المصلِّين، يتصدَّره صغارُ المصلِّين يتعلَّمون أداب
الصلاة، وآداب المسجد وأعرافه.
06-
بقاءَ المصلِّين مرابطين في المسجد ينتظرون الصلاة من الصلاة. –"...فذلكم
الرباط، فذلكم الرباط"-.
07-
جلوسَ المصلِّين مستغفرين ومسبِّحين وداعين، خلف صلاة السنَّة الراتبة من
المغرب حتَّى يقوم الامام من مسجده. (موقعِ سجوده).
08-
متابعة المصلِّين أدعية ليلة الجمعة المباركة كلَّها، مؤمِّنين ومباركين،
وساجدين خلف الإمام بعد تلاوة آية السجدة.
غرقتُ في استرجاع
الذكريات الجميلة، وانغمستُ في سعادة تمنَّيتُ ألاَّ تنتهي، ولكن أذان العشاء قطعها
لأقوم لأداء فريضة العشاء، وأنا أمام نفس المشهد الذي آلمني قبيل صلاة المغرب.
لكَ الله يا مسجد حيِّي، واسأله تعالى أن يهديَ من .....
بقلم: يوسف بن يحي الواهج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق