الأربعاء، 17 أغسطس 2016

شؤون إجتماعية

موهبة موؤودة


    قصدته لشغلٍ خاصٍّ بحرفته، وفي مكتبه وجدتُ لوحة جميلة تحمل آياتٍ قرآنية شريفة، تمَّ اختيارها باهتمام، فبحثتُ عن امضاء كاتبها ولم أجد له أثرا، فسألتُ عن صاحبها ولم يفصح، فرُحتُ أستعرضُ له أسماء من أعرف من أصحاب موهبة الخطِّ والزخرفة في بلدتي الجميلة، فنفى أن يكون العمل لأحدهم.


    فدفعني الفضول إلى الإلحاح في السؤال عن كاتبها، فأجابني بأنَّه هو صاحبها، الأستاذ: فلان بن فُلان بن فُلان، وأنَّ اللوحة التي وراءه هي بخطِّ يده، وصنعِ أناملِه؛ ولـمَّا استفسرته عن غيرها من اللوحات والأعمال الفنِّية الابداعية الأخرى، وبعض التفاصيل عن الموهبة الفنِّية الراقية، العزيزة (النادرة) في مجتمعي، قال: إنَّه كان مهتمًّا بها، ويتمنى ويحلم أن يذهبَ بها بعيدا.
    ولكن، لـمَّا عاد من الخدمة الوطنية، وجدَ أنَّ والده (سامحه الله) قد جمع كلَّ أعماله الفنِّيةِ تلك ورماها في سلة القمامة، فتحطَّمت معنوياتُـه، وكرهَ موهبتَـه أمام احتقارِها من طرف بعضِ المقرَّبين إليهِ غفر الله لهم، وتجاهلِ المجتمع له ولها ولأمثاله من الفنانين المبدعين.

    وزاد أسفي على هذه الموهبة، لـمَّا ذكرَ لي الأستاذ فُلان، أنَّه يتقنُ أيضا فنَّ التصوير اليدوي التشكيلي، خاصَّة تصوير الوجوه البشرية مهما كانت، اعتمادا على الذاكرة الفنِّية والحافظة، فمن الممكن أن يجلس مع أيِّ شخصٍ لبعض الدقائق، ثمَّ يأتي غدا فيستلم صورتَه كأنَّها صورة فوتوغرافية؛ ولكن حرَّموها له شرعا.
    عند ذلك أُسقط في يدهِ، فتخلَّى نهائيا عن موهبة رزقَه الله تعالى إيَّــاها، وكان في الامكان أن يصنعَ بها مجدا تليدا لنفسِه وادينه ولأمَّته ولوطنه.
    فدعوتُـه بإلحاحٍ إلى العودة إلى مخبرِه وإبداعاته وفنِّياته.
    صمتَ متأسِّفا.
    وتمنَّيتُ أن يكون سكوتُه علامة الرضى، ووعدًا بالعودةِ إلى موهبتِه، كما تمنَّيتُ أن يشجِّعَ الآباءُ والمجتمعُ أصحابَ مثلِ هذه المواهب، فقد يكونون قامات تفتخرُ بها الجزائر، كما نفتخرُ اليوم بمفدي زكرياءَ (رحمه الله) وقد عارضه الكثير وسعوا إلى وأدِ موهبته أيَّامَ شبابه؛ كما أتمنَّى من رجال الدين ألاَّ يتسرَّعوا في تحطيمِ المواهبِ بمعولِ التحريم.
فللعلمِ والدعوة منابر لا تُعدُّ ولا تحصَى


بقلم: يوسف بن يحي الواهج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق