الطفل بين المدرستين
العمومية والخاصَّة
توجَّهت إلى
إحدى المدارس الخاصة لأمر يهمُّ حفيدتي، فوجدت عددا من الأولياء أمام بوَّابتها،
ينتظرون خروج فلذات أكبادهم، فألقيت عليهم تحيَّة الإسلام، وصافحتهم جميعا من
اليمن إلى اليسار، كما علَّمتنا السنَّة النبويَّة الشريفة.
ووجدتُ نفسي
دون ترتيبٍ منِّي أحدهم في الحلقة، وألفيتهم يتحدَّثون عن التعليم، و يقارنون بين المدرسة
الخاصَّة، والمدرسة العموميَّة، والشارع، وما يتَّصل بهموم التربية والتعليم بشكل
عامٍّ.
ولمــــــَّا عادوا إلى حديثهم بعدما قاطعتهم بالتحيَّة
والمصافحة، قال أحدُهم موجِّها كلامه إلى أحد الأولياء:
-
قلتُ لكَ بعد سنتين سأنقل ولدي إلى المدرسة العموميَّة.
سأله الذي
يقف إلى جانبه:
-
لماذا؟
أجابه:
-
المدرسة الخاصَّة يا أخي كما تعرف عدد تلاميذها محدود جدًّا، ونظامها منضبط
جدًّا، وروَّادها من فئة خاصَّة، يكوِّنون مجتمعا نخبويًّا خاصًّا، يختلف كثيرا عن
طلاَّب المدرسة العموميَّة، الذين يمثِّلون المجتمع العامَّ تمثيلا واقعيا، بالعاقل
والمشاغب، والمتخلِّق والمنحرف، والعادل والظالم، والغنيِّ والفقير؛ هناك يتعلَّم
كيف يتعامل مع كلِّ طيف من تلك الأطياف، ويتَّخذ له موقعا بين تلك الأطياف.
أجابه أحد
الأولياء موافقا ومؤيِّدا لما يقول، واستغرب غيره، وكنت أحد المستغربين من كلامه
وتفكيره، ولم أستطع السكوت فقلتُ:
-
يا أخي الكريم، ليس من الحكمة في شيء ما تقول، بل علينا نحن الأولياء أن
نختار لأبنائنا أحسن المدراس، وأفضل الأساتذة، وأنظف الأوساط، وأنقى البيئات
والفضاءات، وعلينا أن نمنعه من الشارع مهما كان حال الشارع.
قاطعني
قائلا:
-
أنا معكَ بالنسبة للتعليم، ولكن اريد أن ينشأ ولدي بشخصيَّة قويَّــة
جريئة، يستطيع أن يتعامل بها مع هذا القوم، قومِ آخر زمن، كما قال.
أجبته:
-
يا أستاذ: الشخصيَّة القويَّــة لا يبنيها الشارع، ولا الأوساط غير
المنضبطة، والفضاءات ذات الفئات المختلفة، والمواقع المفتوحة على كلِّ الاحتمالات.
تدخَّل أحد
الحاضرين يقول:
-
هي والله مغامرة بالطفل ومستقبله العلميِّ والتربويِّ والأخلاقيِّ.
واصلت حديثي:
-
إنَّ شخصية الطفل تتكوَّن وتبنى أساسا بالقدوة، ابتداء بالبيت قبل كلِّ
شيء، من طريقة تعامل الوالدين مع بعضهما، وتعاملهما مع أبنائهم وبناتهم، وتعامل
الأبناء فيما بينهم؛ وبمرافقة الأولياء لأبنائهم في دراستهم خلال كلِّ مراحل
الدراسة، إلى سنِّ التخرُّج من الجامعة؛ ومن خلال المعلِّم والمربِّي، والمدير
والمراقب وزملائه في المدرسة، ابتدائية ومتوسِّطة وثانوية وجامعة.
إلى هنا كان
الوقت يدفعني إلى المغادرة لارتباطات عمليَّة، فقلت مخاطبا الجميع:
-
اسمحوا لي إخواني، الحديث في هذا الموضوع طويل ومتشعِّب، يحتاج إلى جلسةٍ
ووقتٍ طويل.
ثمَّ وضعتُ
يمنايَ كتف الأخ الذي أثار الموضوع، وقلتُ لهُ:
-
فكِّر جيِّدا في الموضوع، فهذا مستقبل ولدك، لا يسمح لك بالمغامرة به، والعمر
واحد لا يتكرَّر، ولا يمكن تعويضه، ولا الاستدراك فيه. وليس في الوجود أعزَّ ولا
أغلى من العمر.
تحيَّاتي أيُّها الاباء، أستأذن الآن، السلام عليكم ورحمة
الله.
ثمَّ انصرفتُ
وأنا أجتر الموضوع مرَّات ومرَّات، آخرها على هذه الصفحات.
بقلم: يوسف بن يحي الواهج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق