المبتلون – إِحْشَايْشَيَّن

ويُطلق عليهم
في مجتمعنا غالبا تسمية: إِحْشَايْشِيَّنْ، وهي التسمية الأرفق لفظا بحالهم
ووضعهم، لهذا أفضِّل اعتمادها في حديثي هذا عن هذه الشريحة؛ وأترجمها إلى اللغة
العربية بكلمة: الـمُـــــبتَلون.
فمن هم المبتلون،
إِحْشَايْشٍيَّنْ؟
-
المبتلون، إِحْشَايْشٍيَّنْ:
هم شريحة اجتماعية
تهمَّشتْ بإرادتها، أو لسبب من الأسباب، وغالبا ما يبدأ الفرد منها التهمُّش في
شبابه، وينضمُّ إلى سابقيه إليها، فمنهم من يقضي عمرَه ضمن الشريحة، ومنهم من
يقدِّر الله له سببًا من الأسباب، يكون له فرصة للعودة إلى السرب، إلى أحضان مجتمعه.
وغالبا ما
تكون هذه الشريحة مصدرَ إزعاج للمجتمع كلِّه، والمحيط الذي تتواجد فيه، كما تكون
وصمة عار في جبين المجتمع، خاصَّة المجتمعات المحافظة، والطوائف الصغيرة، ذات
الخصوصيات المتميِّزة، بما تجلبه إلى قبيلتها أو طائفتها أو قبيلتها أو مجتمعها من
سباب وعداوة وكراهية وعداوة مع المجتمعات الأخرى المجاورة، بتصرُّفاتها المشينة.
فما هي صفات
هذه الشريحة؟
-
صفات المبتلين، إِحْشَايْشٍيَّنْ:
يشترك أفراد
هذه الشريحة الاجتماعية في صفات عديدة غير مشرِّفة، تجمع بينهم، وتلمُّ شملهم،
وتخلقُ لهم أهدافا مشتركة، تكون دنيئة في أغلب الأحوال. ولا بدَّ أن نشير قبل
تحديد هذه الصفات، إلى أنَّها (الصفات) نسبية قد تختلف من مجتمع إلى مجتمع، فقد
يكون ما نورده هنا صفة لهذه الشريحة من مجتمع، لا تنطبق على هذه الشريحة من مجتمع
آخر.
فليأخذ
القارئ الكريم هذه النسبية بعين الاعتبار؛ وهذه الصفات على سبيل المثال هي:
· متعاطي المخدِّرات بكلِّ أنواعها.
· متعاطي المسكرات بكلِّ أنواعها.
· متعاطي الدخان والسعوط وما شابههما.
· العاقُّ لوالديه، المطرود من البيت العائلي.
· المشهور بارتكاب الكبائر، كالزنا والقتل العمدي،
والسرقة.
-
أسباب التهمُّش والانضمام إلى المبتلين، إِحْشَايْشٍيَّنْ:
لا شكَّ أنَّ المرء منَّا يتساءل
عن الأسباب التي تدفع الشخص إلى أن يتهمَّش وينضمَّ إلى هذه الشريحة، أذكر منها
على سبيل المثال دائما:
· النشأة في بيتٍ يضمُّ أحد المبتلين، إِحْشَايْشٍيَّنْ.
· العنف العائلي، بين الزوجين، أو بين الوالدين والأولاد.
· العنف المدرسي بين الطلاب، أو من المعلم تجاه الطالب.
· الاختلاط بأشخاص من شريحة المبتلين، إِحْشَايْشٍيَّنْ.
· إهانة أشخاص من طرف هيئات أو مسؤولين في المجتمع.
· العقوبات القاسية على المخطئين في أوَّل أخطائهم.
· الاقصاء الاجتماعي بسبب الرأي، أو العرق، أو المستوى
المادِّي.
-
واقع المبتلين، إِحْشَايْشٍيَّنْ:
تختلف بدايات
المبتلَى في مجتمع الميتلين (إِحْشَايْشٍيَّنْ) باختلاف الأسباب التي
دفعتهم إلى التهمُّش والانضمام إلى المبتلين؛ فمنهم من يلتحق بالشريحة مكرَها
هروبا من واقع أو ظلم أو إهانة، ومنهم يلتحقُ مستَدْرَجا في غفلة من نفسه، وجهلٍ
عمَّا ينتظره.
فالداخل إلى
الوسَطِ هروبا من واقع قاهر ظالم، قد يجد في محيطه الجديد بعضَ ما افتقده في بيئته
ومحيطه السابق، ربَّما يستمتع بالحرِّية الواسعة، والصحبة الكفؤة له، ووفرة حاجاته
ورغباته واهتماماته، فينغمس في أوحال الرذيلة، وما أدمن عليه إلى أخمص قدميه.
فذلك قد
تعجبه الحياة الجديدة، ويراها حرِّية اكتسبها بعد استعباد المجتمع وأعبائه، وضوابط
الشرع والعادات والتقاليد؛ فلا يفكِّر في العودة يوما إلى سربه ومجتمعه وقبيلته
وعشيرته، إلاَّ إذا اشتدَّ عليه الأمر بين خلاَّن السوء، كالمرض المزمن، أو أحسَّ
بظلم وإهانة وإقصاء منهم.
أمَّا
المستدرَج إلى درك المبتلين خِدعةً، وعلى غفلة من أمره، فالأمل في كبير أن يستفيق
في بداية الطريق، ويحيا فيه ضمير الخير، فيعود إلى صوابه، وتسهل عليه العودة إذا لم
تكن أمامه أسباب ابتزازه، كالإدمان على المخدِّرات مثلا.
وهؤلاء جميعا
(المبتلون، إِحْشَايْشٍيَّنْ) يعيشون في أغلب الأحيان حياة صعبة، تملأها
متاعب نفسية، وصراع الخير والشرِّ في ضمائرهم، مهما تمتَّعوا بالحرِّية ووفرة
المال ووسائل الرغَد والمتعة.
لهذا يسهل
على المجتمع أن يسترجع الكثير منهم إلى أحضانه، كما يستطيع أن يستفيد من الشريحة
كلِّها، ويقلِّل من أضرار الشاردين المصرِّين على التهمُّش؛ وذلك بـــــــ:
-
استرجاع والاستفادة من المبتلين، إِحْشَايْشٍيَّنْ:
بما أنَّ
لهذه الشريحة أمرٌ واقع في كلِّ المجتمعات، لا يمكن تجاوزها ولا إنكارها ولا التنكُّر
لها، ولا يمكن التغاضي عنها كواقع مفروض، كان لا بدَّ على الأمَّة أو القبيلة أو
الطائفة أو العشيرة، أن تفكِّر في كيفية إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأشخاص
المتورِّطين فيها، والاستفادة من الشريحة بشكل عامٍّ، إن استحال أمرُ هدايتهم
واستقامتهم، وعودتهم إلى بيئتهم الأصيلة السويَّة.
فما أسهل أن
يسترجع المجتمع منهم عددا غير قليل، إن تقرَّب إليهم وفتح لهم قنوات اتصال ونوافذ
تواصل مع قيادات وأعيان الأمَّة، فاستمع إليهم واطلع على معاناتهم ومتاعبهم الصحية
والنفسية، وتجاوب مع احتياجاتهم وتساؤلاتهم الفكرية والثقافية؛ فعالج مريضهم ومريض
أسرهم، وأطعم جائعهم، وكسى عاريهم، وفقَّه جاهلهم، وأرشد ضالَّهم، فقد يحيي ذلك
ضمائرهم، ويبعث الحياة في البذور الخيِّرة الكامنة بين جوانبهم، فيعلموا ويتأكَّدوا
أن لا سند ولا ظهر لهم إلاَّ مجتمعهم وأمَّتهم.
بلادي وإن جارت عليَّ عزيزة
وأهلي وإن ضنُّوا عليَّ كرام
كما يمكن أن
يستفيد المجتمع من هؤلاء الشاردين المبتلين إِحْشَايْشٍيَّنْ، باحتضانهم، والاستماع
إليهم، ولاطلاع على ظروفهم وأحوالهم، والحديث إليهم بما يصلح أمرهم ويهديهم
ويردُّهم إلى سواء السبيل، وذلك بالكلمة الطيِّبة، والنصيحة الصادقة، والدعوة
الخالصة، وإن يكلِّفهم ببعض المهام العمومية المنفعية للمجتمع عبادا وبلادا،
يشعرون بها أنَّ المجتمع يحتاج إليهم ويستفيد منهم، ولهم دور ونفع للوطن والمجتمع.
من هذه
المهام على سبيل المثال:
· دعوتهم إلى المشاركة في الحملات التطوُّعية عبر الأحياء.
· الاستعانة بهم في الحملات التنظيفية للمساجد والمقابر.
· المساهمة في حماية المدينة من شرور المنحرفين.
· تكليفهم بمراقبة ضواحي المدينة من الأوكار التي يتواجدون
فيها.
· الاستعانة بهم في تنظيم المناسبات الوطنية والاجتماعية
والدينية العامَّة.
-
ختاما، رفقا بالمبتلين، إِحْشَايْشٍيَّنْ:
ختاما، أقول
أنَّ هذه الشريحة من شباب وفتيان وكهول أيِّ أمَّة، هم جزء منها كأيِّ عضو من
البدَن، قد يصابُ بمرض مَّا أو عاهة لا قدَّر الله، فليس من المعقول أن يسرع الأمر
إلى بتر العضو واستئصاله، إنَّما يسارع إلى علاجه ومداواته بمختلف العقاقير
والوسائل.
هكذا يجب أن
نفعل بالشارد عن صفوف المجتمع، والقاصي عن القطيع، والمغرِّد خارج السرب، نقترب
إليه ونسمعه النغَم الذي يطرب له ويرقص له، ونعطيه فرصة العودة ونحضنه ونقيم له
ولمواهبه وزنا، فقد يكون موهوبا في أمر مفيد لقومه ووطنه وإن كان وضيعا.
بقلم: يوسف بن يحي الواهج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق