الأربعاء، 4 ديسمبر 2013

الحكمة في النصيحة والناصح




    عندما ولجت ميدان العمل في التجارة، وأنا على مشارف العشرين من العمر، حكى ليَ الوالد (رحمه الله) حكايةً بقيت ـ ولا تزال ـ حلقة في أذني، كما يقول المصريون، طوال العمر، وتحضرني مع كلِّ عملية بيع أو شراء.
     ولست أدري إن كانت القصَّة أسطورية تراثية رمزية، أم واقعية حدثت فعلا، أم هي من تأليف الوالد ليمرِّر إلينا ـ نحن أبناؤه رسالة تربوية، وقد عهدت منه (رحمه الله) أسلوب التربية والتوجيه والنصيحة بالقصَّة والحكاية والحدث الحديث.
    ولأهمِّية الحكاية وما تحمله من مغزى، يسعدني أن أفيد بها أبنائي وأحفادي وأصدقائي وزملائي؛ فأرجو من الإخوة الأعزَّاء قراءة النصِّ كاملا، ففيها مغزى ونصحا توجيها.
    والحكاية هي: أنَّ رجلا بلغ ولدُه السعيَ، واشتدَّ عودُه وكمُل عظمُه، فرغب في العمل ودخول عالم التجارة والاقتصاد، فبعثه والدُه إلى بقَّالة ليشتريَ منها كيلو عدَس، ولمَّا رجع الولد منها محمَّلا بكيس العدس، أعاد الوالد وزنه، فوجده ينقص عن الكيلو ببضعة غرامات (990غ) مثلا، فسجَّل الميزان واسم البقَّالة على كيس العدس.

    ثمَّ طلب منه أن يبتاع كيلو ثانٍ من العدس من بقَّالة ثانية، ففعل مثلما فعل مع الكيلو الأوَّل، فوجده كاملا دون زيادة أو نقصان، وسجَّل الميزان واسم البقَّالة الثانية عليه.
    ثمَّ أمره أن يبتاع كيلو ثالث من العدس من بقَّالة ثالثة، ففعل مثلنا فعل من العدس الأوَّل والثاني، فوجده زائدا على الكيلو ببضع غرامات (1010غ) مثلا، وسجَّل اسم البقَّالة الثالثة عليه.
    بعد ذلك، طلب الوالد من ولده أن يصطحبه، فذهبا إلى البقَّالة الأولى، وقال الوالد لصاحبها: إنَّ ولدي هذا يريد يفتح محلاًّ للتجارة، فبماذا تنصحه ؟
    أجابه صاحب البقَّالة الأولى، موجِّها كلامه إلى الشاب: دعك يا بنيَّ من التجارة، فهي غير مربحة، واتخذ لك عملا آخر غير التجارة أجدى لك، فتجارتي في تقهقر من سنة إلى أخرى.
    ثمَّ ذهبا إلى البقَّالة الثانية، فقال الوالد لصاحبها: إنَّ ولدي هذا يريد يفتح محلاًّ للتجارة، فبماذا تنصحه ؟ رجاء.
    أجابه صاحب البقَّالة الثانية: كان الله في عونك يا ولدي، التجارة ليست مربحة ولا مفلسة، إنَّما هي تطعمك وتسقيك، كما يقول المثل الشعبي: "قيس الخبز، قيس لَجْواز".
    ثمَّ ذهبا إلى البقَّالة الثالثة: فقال الوالد: إنَّ ولدي هذا يريد يفتح محلاًّ للتجارة، فبماذا تنصحه ؟
    أجابه صاحب البقَّالة الثالثة: التجارة يا ولدي مباركة، إن مارسها صاحبها بصدق وأمانة واستقامة؛ فتوكَّل على الله، واعمل بجد وإخلاص، وستنجح إن شاء الله.
    بعد ذلك عادا (الوالد وولده) إلى البيت، فوضع الوالد أكياس العدس أمام ولده، فأراه الكيس الأوَّل وذكَّره بحديث صاحبه، وهو المطفِّف في الميزان، الذي قال: إنَّ تجارته تتقهقر من سنة إلى أخرى.
    ثمَّ أراه الكيس الثاني، وذكَّره بحديث صاحبه، الذي كانت تجارته غير رابحة ولا خاسرة، لم يجن منها أموالا ترفعه إلى مرتبة الأغنياء، وتبني له مستقبلا مترفا.
    ثمَّ أراه الكيس الثالث وذكَّره بحديث صاحبه، الذي شجَّعه على التوكل على الله في تجارته، وبارك له في خطواته في ميدان العمل، وتمنى له التوفيق والنجاح.
    هذه هي الحكاية، أتمنَّى أن نقرأ ما بين سطورها، لنصحِّح الكثير من ممارساتنا التجارية الخاطئة، حتَّى يبارك الله لنا في أرزاقنا وأعمارنا، ويتقبَّل دعواتنا.

يوسف بن يحي الواهج


هناك 4 تعليقات:

  1. والله يا صديقي لا يهم إن كانت القصة واقعية أو من نسج الخيال، ولكن الرسالة واقعية وحقيقية، وهذا المثال لا ينطبق على التجارة فقط، ولكن ينطبق على كل عمل يعمله الانسان، فإن كان في عمله غش، يعيش تعيس لأن تركيبته النفسية فيها نقص، وتنعكس عليه، وإن كان كريم معطاء، يعيش راحة نفسية كبيرة تعطيه الأمان والكمأنينة، وهو أول كنز يمكن أن ينعم به الله على الانسان....والحديث قياس كما يقول المثل الشعبي...

    ردحذف
    الردود
    1. فعلا أخي العزيز، المثال ينطبق على أيِّ عمل يقوم به الانسان. نسأل الله تعالى التوفيق والسداد في كل أعمالنا.
      شكرا على القراءة وعلى الرد.

      حذف
  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بارك الله فيك موضوعك في القمة أزادني اهتماما بالقرائة ...الحمدلله اني وجدت من أستسقي منه أغلى الفوائد وانا في صددانجاز مسرحية ولقد افدتني بهذه القصة المباركة جزاك الله عنا كل خير آمين...أخوك الضعيف حميد قلاع الضروس

    ردحذف
    الردود
    1. أحمد الله تعالى أن لم يضع وقتك في قراءة ما كتبت، إذ أفاتدتك الحكاية وتمتعت بقراءتها.
      شكرا على المتابعة.

      حذف