الجمعة، 1 يونيو 2012

من وحي العيد المدرسي


مع بداية كلِّ دخول مدرسي جديد.
أتذكَّر صباي، أيَّام كنت تلميذا، وتحضرني ذكريات جميلة لم تمحها الأيام والليالي على تواليها وتواترها من الذاكرة، ولم تُغيِّر المشاكل اليومية للحياة العملية على كثرتها من جمالها وبراءتها ورونقها، ولا أظن أن الزمن قادر بكلِّ صروفه وظروفه على تغيير أو مسح ذكريات الطفولة من الإنسان وإن عمَّر قرنا.
أتذكَّر كم كنت أتوق شوقا ولهفة إلى المدرسة، عند بداية نهاية العطلة الصيفية، بل أعدُّ الأيَّام والساعات مستعجلا نهايتها، ناسيا أنَّني كنت أستعجل بدايتها.
أتذكَّر عندما أُقلق والدتي بالسؤال المتكرِّر يوميا عن موعد البداية خوفا من تأجيلها، وأطالب والدي بتعجيل شراء الملابس الجديدة، فأقيسها ثمَّ أحضنها في كل ليلة قبل نومي.
أتذكَّر كم كنت أحترق شوقا إلى أستاذ اللغة العربية بالذات، لأنها كانت المادة المفضلة عندي، أو لأنَّ المعلم يحبِّبنا إليه بهداياه الجميلة واللذيذة المتمثِّلة في قطعة من الحلوى.
أتذكَّر شوقي إلى مدير مدرستي المتواضع جدًّا وكم تسعدني فرحته بي عندما ألقاه في الشارع فأسرع إلى تحيته بشوق وحرارة.
أتذكَّر شوقي إلى جدران فصلي المزيَّنة بالصور الجميلة والأحرف الكبيرة، وشوقي إلى زميلي في الفصل أنيسي على المنضدة ومنافسي نحو المراتب الأولى والعلامات المرتفعة في الاختبارات، وهو صديقي أحبُّه ويحبُّني في نفس الوقت.
أتذكَّر اليوم الموعود، وهو يوم مشهود، تمتلئ فيه الشوارع بالأطفال من كل الأعمار، تزيننا الملابس الجديدة وتعلو وجوهنا الابتسامة الصادقة وتغمرنا السعادة الظاهرة، فنتجمَّع أمام مدخل المدرسة حِلَقا حِلَقا نتبادل أخبارا وحكاياتٍ عن العطلة الصيفية وكيف وأين قضاها كلُّ منَّا، وكم يضحكني اليوم ذلك التباهي بالمبالغات الكاذبة في تلك الأخبار.
أتذكَّر السعادة الكبيرة التي كانت تغمرني وأنا أتسلَّم الكتب الدراسية الجديدة، أتصفَّحها وأستعجل مطالعة بعض دروسها، وأركِّز نظري في صورها، ولست أدري إلى اليوم سبب تلذذي بالرائحة المتميزة الطيبة الزكية التي تعبق بها تلك الكتب.
أتذكَّر تنقُّلي بين المكتبات لاقتناء الأدوات المدرسية من كراريس وأقلام ومساطر وغيرها، وكم يحزنني الآن تلك الشقاوة الصبيانية التي كنت آنذاك أسبِّب بها بعض الخسارة لوالدي العزيز، عندما أتعمَّد إتلاف بعض الأدوات من أجل الحصول على غيرها جديدة.
أتذكَّر يوم استعراض الأدوات المدرسية أمام الأستاذ والتباهي بها أمام الزملاء، وحملة تغليف الكتب المدرسية والتباري في إتقان ذلك لكسب إعجاب ورضا الأستاذ.
أتذكَّر سعادتي الفائقة التي لا توصف ولا تُنسى، وذلك عندما يتجول المعلِّم بين الصفوف فيقف عندي، ويحمل كتابا من كتبي فيبدي إعجابه بإتقاني تغليفه، ويرفعه بين يديه عاليا ليريَه للتلاميذ، معبِّرا عن إعجابه ورضاه بعملي، ويدعو التلاميذ إلى الاقتداء بي.
لهذا أجد نفسي في كلِّ سنة، أسأل أحد أبنائي المتمدرسين أو كلَّهم على سبيل الدعابة، إن كان مشتاقا إلى المدرسة والدراسة، ونفس السؤال أطرحه على كل طفل ممن يحيط بي من أطفال العائلة والأصدقاء والأحباب والجيران، فوجدت هذا الشعور وهذا الشوق وهذه المشاعر غريزة في الطفل منذ الأزل وستبقى إلى الأبد.
ولعلَّ هذه الغريزة هي التي تُنسي الطفل متاعب السنة الدراسيَّة، ومشاكله مع الدروس والمعلِّم والتمارين والفروض والاختبارات، فيعود إلى الدراسة وكلُّه رغبة وشوق وحماس وجدٌّ ونشاط وأمل.
لهذا أتمنَّى من الأستاذ الفاضل أن يستغل هذه الغريزة وتلك المشاعر في الأطفال فيسنَّ لهم سُننا حسنة ويرسِّخ فيهم عادات جميلة، كانت سائدة في يوم من الأيام وإن زاد عليها مما يمليه العصر واستحسنه الذوق ورضي به الدين كان له الفضل في ذلك؛ ليسعدوا بها في صغرهم ويذكروها في مستقبلهم، فتبقى لهم ذكريات حسنة جميلة يذكرون بها المدرسة والمدرِّس بخير في كبرهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق