الأحد، 2 مايو 2021

كتابات أدبية: من حكمة المرأة البريانية

من حكمة المرأة البريانية

    من أجمل ما عرفتُ وسمعتُ من حكمة المرأة البريانية المزابية، وحسنِ تدبيرها واقتصادها في العيش؛ وكنموذج لذلك نورد هذه القصَّة الجميلة:

    كان المجتمع البرياني في الزمن الجميل من القرن الماضي، مجتمعا متماسكا مترابطا منسجما متعاونا، وكان من عادته في ذلك الزمن، أنَّه إذا قدِمَ إلى البلدة ضيفٌ ذو مقام كريم ومكانة مرموقة وهبَّت البلدة لاستقباله

وإكرامه، يتناوب ويتنافس الأعيان والأثرياء في تقديم خدمات الاستقبال والاكرام، فيكلِّف الأعيان أحد الكرماء الأسخياء من أصحاب الأيادي البيضاء المبسوطة في المجتمع، ليتكفَّل بتحضير كامل لواجب الضيافة والقرى للضيف الوافد.

    فكان الدور في إحدى المرَّات على رجلٍ كريمٍ عادة، وسخيٍّ في طبعه، إلاَّ أنَّ دوره هذه المرَّة جاء في سنة عجفاء، عرفت البلدة في شحَّ السماء، وقلَّة الغذاء، ومع ذلك لم يكن له بدٌّ إلاَّ أن يقول: ها أنذا. وذلك دين الكرام الشرفاء الأحرار.

    فذهب الرجل إلى بيته، ودخل على زوجته يعرض عليها الأمر، ويشكو لها الحال، فقالت له:

-      لا عليك زوجي الكريم، وفِّر لنا فقط بعض الإدام واللحم، ودع الباقي عليَّ.

    ففعل الرجل ما أمرت الزوجة، واقتنى من السوق ما طلبت.

    أمَّـا ربَّة البيت الحكيمة، فدخلت إلى غرفـــــة مؤونتها "لْــحُــجْرَتْ"1 وأخرجت منها قرعة كبيرة الحجم يابسة "أَكَــــرْوَا" 2كانت تخبِّئ بذور البطِّيخ العربي الأصفر "تِــــيزْنِـــينْ نْ وَمْـــلُــونْ"، ولـم يكن الزوج يعرف شيئا عن ذلك، فقامت بطحن البذور كما يُطحن القمح، ثمَّ فتلته كما يُفــتَلُ الكسكس العادي، فأعدَّت منه طبقًا كسكسيا لذيذا، طَعِم منه الضيف ومرافقوه، وأصدقاء الزوج من أعيان ووجهاء البلدة.

    فوجدوا طعامه ألذَّ وأشهى ما يقدَّم للضيف قرًى وإكراما، فراحوا يسألون صاحبهم عن مصدر هذا القمح الذي صُنع منه الكسكسي، ومن أين تحصَّل عليه، وردَّ عليهم يقسم ويحلف أنَّه لا يعرف من أين تحصَّلت عليه ربَّة بيته.

    رحم الله أمَّهاتنا وآباءَنا، وحفظ زوجاتنا وبناتها، ووفَّقهنَّ للاقتداء والتعلُّم من حكمة وبصيرة وتدبير من كان قبلهنَّ.

-----


1-     لْــحُــجْرَتْ، هي غرفة تخصَّص لجمع المؤونة الخاصَّة بالأسرة.

2-     أَكَرْوَا، هو في الأصل قرعة كبيرة الحجم، يُنزع محتواها الداخلي وتجفَّف، لتكون إناء لمود غذائية، أو مخبأ لوثائق، أو غير ذلك.

----------------------------------------------------------- 

المصدر: مقابلة يوسف الواهج في 28 أفريل 2021م، مع الأستاذ: السايح بن صالح الطالب باحمد، رواية عن الشيخ إبراهيم بن باعلي لعساكر (الزعيم).

بقلم: يوسف بن يحي الواهج


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق