الجمعة، 31 مايو 2019

شؤون إجتماعية: الشبهة الرابعة عشر: لَمْزَابِي لْخَامْسِي


الشبهة الرابعة عشر: لَمْزَابِي لْخَامْسِي

    أذكر أيَّام أو سنوات طفولتي، عندما كنتُ أسافر إلى الجزائر العاصمة في العطل المدرسية الصيفية مع العائلة، تلك المشاكسات مع أطفال الحيِّ حيث نسكن، وأقوالَهم وتصرُّفاتهم الغريبة، التي لم أكن أفهمُ معانيها ولا مقاصدهم من ذلك، ولا مصادرهم التي يأتون بها منها.
    وقد كنَّا كالضيوف في الحيِّ، نجاورهم مرَّة في العام لأيَّام معدودة، فنلقى ذلك منهم دون سابق معرفة ولا صداقة ولا معاشرة، حتَّى يقول أحدُنا أنَّ ذلك منهم مزاحا ودُعابة طفولية لا يعتدُّ بها، أو يُأبهُ لها.
    وأهمُّ هذه التصرُّفات، أن يفتحَ أحدُهم كفَّه أمام وجهه باسطا أصابعه، فيقوم بتقبيل أنامله ابتداء من الإبهام، فالسبَّابة، فالوسطى، فالبنصر، أمَّا الخنصر فلا يقوم بتقبيله، بل يقوم بالبصاق عليه عدَّة مرَّات.

    يفعل ذلك وهو ينظر إلينا ويضحك أو يبتسم لا يهمُّ، وفي الغالب يكون رفقة زملائه الذين يفعلون مثل فعله.
    ولـمَّا بلغتُ سن التمييز، وبدأتُ أعي الأمور من حولي، عرفتُ من الوالد (رحمه الله) وممَّن في سنِّه ومقامه، أنَّ المقصود من حركاتهم تلكَ، أنَّ المزابيين ينتسبون إلى المذهب الاباضي، وهو المذهب الخامس في حسابهم، بعد المذاهب الأربعة التي يعتبرونها المذاهب السنِّية حصرا، فهم يقبِّلونها تعبيرا منهم بالانتساب إليها والاعتراف بها؛ أمَّا المذهب الاباضي فهو المذهب الخامس في اعتبارهم، فيصفون من ينتسبُ إليه من أتباعه بـــــ "لْخَامْسِي" وهم لا يعترفون به، ولا يحبُّــونه، ولا يحبُّون أهله، لهذا يبصقون عليه تعبيرا منهم على الكراهية والبُغض وعدمِ الاعتراف به. وكذلك يفعلون في أغلب الجهات من الوطن.
    فأتساءل، من أين تعلَّموا تلك الحركات والتصرُّفات، وهم أطفال صغار دون العشر سنوات، ؟؟، وقد لا يفقهون معاني ما يفعلون. ألم يتعلَّموها من كبارهم، أولياء كانوا أو معلِّمين، أو من كبار وشباب وكهول عامَّتهم؟؟.
    وأتساءل، ألا يعرفون من كبارهم شيئا عن المذهب الاباضي، أو عن المزابيين بالقراءة والمطالعة، كما عرفوا وتعلَّموا من أوائلهم وكبارهم كراهية المذهب الاباضي وأتباعه، ولكنَّهم قوم لا يقرؤون. إنَّما أغلب معلوماتهم يأخذونها نقلا عن العوامِّ في الشوارع والأرصفة ومجالس اللهو والسمر؟؟.
    وأتساءل متألِّما ضاحكا، عن تغييب بعض العقول لدى بعض الجزائريين في إطلاق بعض الأحكام والصفات المضحكة غالبا على المزابيين من الاباضية، وهم يعرفونهم كما يعرفون أبناءهم، من خلال التجاور والتساكن، والتواصل معهم بالبيع والشراء والمعاملة في المتاجر، والمزاملة في المدارس القرآنية الحرَّة التي يتعلَّم فيها أبناؤهم على أيدي المعلِّمين المزابيين؟؟.
"اللهمَّ اهدِ قومي فإنَّهم لا يعلمون"

بقلم: يوسف بن يحي الواهج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق