الشبهة الرابعة: عيد الزيارة ومقتل الامام عليٍّ (كرَّم الله وجهه)

إنَّه
الاحتفال بقدوم فصل الربيع، الفصل الذي تبدأ فيه الأشجار تورق أغصانها، وتبرز براعمها،
وتتلقَّح أزهارها، وتُصدر النخيل عراجينها، والكلُّ ينتظر ذلك بفارغ صبر كلَّ عام،
فتمور النخيل وثمار الأشجار هي الغذاء الدائم المضمون للمزابيين.
فاحتفالا
بهذا الموسم، وأملا أن يكون العام عام خير وفضل، ووفرةٍ في الإنتاج الفلاحي، يقوم
المزابيون جميعا بجولة حول المدينة كلِّها، وتشمل البساتين المحيطة بالبلدة من
كلِّ الجهات؛ هدفهم من ذلك تحصين البلدة وساكنيها وبساتينها وكامل ثرواتها من جميع
الآفات والأمراض والجوائح والمصائب.
يبدأ عيد
الزيارة "أَزِّيَّارَتْ" بجولة في صباح يومٍ من أيَّـام الأسبوع
الأوَّل من شهر أفريل كلَّ عام، حيث يتجمَّع الناس كبارا وصغارا عند المسجد
الرئيسي بالبلدة، يتقدَّمهم مشايخ وشيوخ المجتمع من أعضاء حلقة العزَّابة، ورجال
الأعيان، وكبار العشائر، فيصدح كبير الهيئة الدينية (العزابة) أو من ينوبه بدعاء
الانطلاق، ويؤمِّن بعده كلُّ الجمهور.
ثمَّ ينطلقون
إلى المقبرة الرئيسية بالبلدة، وهم ينادون: -"باسمِ
يا اللهُ يا رحمن"- ويكرِّرون هذا التسبيح دون توقٌّف خلال مسيرهم
إلى أن يصلوا المقبرة، وفيها يرفع كبير أعضاء الحلقة، أو من ينوبه من أعضائها بدعاء
ثانٍ ترحُّما على موتى المسلمين، وتيمُّنا ببركة الآباء والأمَّهات والأجداد.

وأثناء
مسيرهم حول بساتين البلدة، يتوقَّف الموكب عند مواقعَ وشواهدَ تحمل تاريخا يجبُ أن
يطَّلع عليه المجتمع ويحافظ عليه، وينتقل من ذاكرة جيل إلى ذاكرة الجيل اللاحق.
وفي كلِّ موقعٍ ومقام من هذه المقامات يقوم أحد أعضاء الحلقة الحافظين لتاريخ
البلدة، ليروي على الجمهور الأحداثَ التي وقعت في ذلك الموقع.
وينتهي المسار في المقبرة حيث بدأ، فيجلس الجميع في
حلقات لتناول التمر والحليب، وهم يتلون خواتم السور من القرآن الكريم، ثمَّ يرفع
الجميع أكفَّ الضراعة إلى العليِّ القدير، وهم يؤمِّنون على الأدعية المتتالية
التي يصدح وينادي بها أعضاء الهيئة الدينية.
هذه هي
باختصار شديد أحداث عيد الزيارة، وقد أكون مخلاًّ في هذه الخلاصة، لأنَّ المقام
ليس التعريف بهذا العيد الجميل، وإنَّما لأضع القارئ الكريم في صورة المناسبة،
لأنَّ الألسن المغرضة وهواة التزييف والتحريف حول المزابيين، تريد أن تجرِّده من
محتواه النقيِّ النبيل، وتحرِّف أصله وتاريخه، لتنفثَ من خلال التحريف والتزييف
سمًّا زعافا، وتزرع به في الأمَّة أسافين الخلاف، وشرارات لحرق الوحدة الوطنية،
وتمزيق الوطن، فادَّعت أن المزابيين يحتفلون في ذلك اليوم، عيد الزيارة، ليس
بمناسبة دخول فصل الربيع، إنَّما هو احتفال بذكرى قتلهم الإمام عليٍّ كرَّم الله
وجهه ورضي عنه.
وإنَّه والله
لكلام سخيف مُضحك، لا يصدر إلاَّ عن غبيٍّ جاهل، يريد أن يستغبي المسلمين بهذا
الادعاء الباطل، وهذه الشبهة الغبيَّة، ويريد بها خصوصا أن يسوِّد صورة المزابيين
أمام عامَّة الجزائريين، وجمهور المسلمين.
فأصول لأصحاب هذه الألسن الخبيثة، إذا كان الاحتفال لفصل
الربيع هو احتفال بذكرى مقتل الإمام عليٍّ عليه السلام، فأغلب شعوب العالم يمكن أن
يكونوا قتَــلةً للإمام، لأنَّ شعوب كلِّ شمال إفريقيا، وشعوب غرب وشرق آسيا
يحتفلون بفصل الربيع.
فهو عند
المزابيين: أزَّيَّارَت.
وعند
القبائل: تَافْسُوتْ.
وعند
المصريين: شمُّ النسيم.
وعند
الإيرانيين: عيد النيروز.
وعند
الباكستانيين: هولي.
وعند اليهود:
عيد الفصح. ....
فمَن مِن
هؤلاء قتل الإمام عليٍّ، أم أنَّهم اتفقوا على قتله جميعا حتَّى يضيع دمه بين
الشعوب، كما دم الرسول محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم بين قبائل العرب.
والادعاء
أنَّ المزابيين قتلوا الإمام عليَّا كرَّم الله وجهه، لا يصدِّقه ولا يجاريه عاقل،
إلا الغبيَّ الجهول، الذي هوايته إثارة الفتن والنعرات، والتفرقة بين المسلمين،
وإلاَّ فكيف يمكن أن يحدث هذا، وموطن المزابيين في صحراء الجزائر، التي تبعد عن
العراق بالآلاف من الكيلومترات، فهل ذهبوا إلى هناك وقاموا بجريمتهم ثمَّ عادوا؟
أم كيف!!.
وكيف يحتفل
المزابيون بذكرى مقتل الإمام عليٍّ رضي الله عنه في فصل الربيع، والإمام قتل شتاء
يوم 25 يناير جانفي سنة 661م.
وكيف يكون
احتفال الشعوب بفصل الربيع عبر العالم احتفالا بمقتل الإمام عليه السلام الذي قتل
منذ قرن ونصف تقريبا، بينما احتفال الشعوب والأمم بعيد الربيع كان منذ ثلاثة آلاف
سنة أو تزيد.
مساكين هؤلاء
الأدعياء يهرفون بما لا يعرفون، وأغبى منهم من يصدِّقهم دون أن يفكِّر ويُعمل
عقله.
بقلم: يوسف بن يحي الواهج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق