وصية ولي لمربٍّ
أخي
المربِّي:
فضيلة
الأستاذ:
يا صانع
الرؤساء والعظماء:
يا من
علَّم الإنسان ما لم يعلم:
يا من هو
نور في المجتمعات والأمم: (ولله المثل الأعلى)
إنَّني
اليوم، وفي كلِّ يوم من كلِّ سنة، أضع بين يديك قطعة من كبدي، وحقلَ مستقبلي، وبذرَ
أملي، صفحةً بيضاء مفتوحة أمامك، فاجعلها أيُّها الفنَّان، لوحة حجرية تنقش عليها
نقشا لا يتأثر بالأيَّام والسنين، وتغرس فيها من العلم أشرفَه، ومن الأخلاق أعظمَها،
ومن المكارم أعلاها، ومن الآداب أرقاها، ومن المعارف أنفعَها لدينها ودنياها
وحماها.
وكن له فضيلة
الأستاذ، القدوة الحسنة، التي يهتدي بها في معترك حياته، وأنت أعلم منِّي
بتأثر وتقليد الطفل بمن يُعجَب به، فأظهِر له من نفسك العزَّة والكرامة، ومن علمك
الرسوخَ والغزارةَ، ومن طبعك الهدوءَ والرزانةَ، ومن أخلاقك ما اتصف به أشرفُ خلق
الله، محمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلم.
وإنَّني أتمنَّى
أن تصنع لي وللإسلام منه عند تخرُّجه مربِّــيا بارعا مثلَك، أو عالما فذًّا يُجلي
ظلام الجهل عن أمَّته ووطنه، أو رجلَ اقتصادٍ يرفع الفاقةَ عن الفقراء، ويغرسُ
الرحمة في قلوب الأغنياء، أو طبيبا ماهرا يقضي على الأمراض الفتَّاكة في العالم،
أو باحثا مصرًّا يقدِّم حُلُولا لما استشكل عن الحلِّ من قضايا متعدِّدة؛ أو أيَّ
تخصُّصٍ آخرَ يفيدُ الأمَّة الإسلامية، ويرفع عنها الضيمَ ويخدُم البشريةَ؛ فيكون
بذلك خليفة الله في الأرض بحقٍّ، كما قال الله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة﴾
وأوصيك فضيلة
الأستاذ بما أوصى عُتبةُ بن أبي سفيان، عبدَ الصمد، مؤدِّبَ ولده، فقال:
_"ليكن
أوَّل ما تبدأ به من إصلاح بَنِيَّ، إصلاحَ نفسِك، فإنَّ أعيُنهم معقودة بعينك،
فالحسن عندهم ما استحسنتَ، والقبيح عندهم ما استقبحتَ. وعلِّمهم كتابَ الله، ولا تُكرههم
عليه فيَملُّوه، ولا تتركهم منه فيهجروه، ثمَّ اروِهم من الشعر أعفَّه، ومن الحديث
أشرفَه. ولا تخرجْهم منْ علمٍ إلى غيره حتَّى يُحكِموه، فإنَّ ازدحام الكلام في
السمع مُضِلَّة للفهم.
وتهدَّدهم بي،
وأدِّبهم دوني، وكن لهم كالطبيب الذي لا يعجِّل بالدواء قبل معرفة الداء؛ وجنِّبهم
محادثة النساء، وروِّهم سِيَر الحكماء، واستزدني بزيادتك إيَّاهم أزدك، وإيَّاك أن
تتَّكل على عذرٍ منِّي، فقد اتَّكلتُ على كفاية منك، وزدني في تأديبهم أزدك في بِرِّي
إن شاء الله ". (البيان والتبيين، الجزء الثاني، ص:36 )
فضيلة
الأستاذ:
إنَّك بدورك
هذا، أمينٌ على أجيالٍ كاملةٍ من الأمَّة، ودورُك فيها أعظمُ من دور الوالدين، لأنَّ
غرسَك في الأبناء وهُمْ براعِمَ على الفطرة، سيجلِّيه المستقبلُ خيرا، إن غرست
فيهم خيرا. أو غير ذلك إن غرست فيهم غير الخير لا قدَّر الله.
فاتَّــقوا
الله أيُّها المربُّــون والمربِّـــيات في أبنائنا، فإنَّنا استأمنَّاكم على
مستقبل أمَّتــنا. والله تعالى يقول في كتابه العزيز: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾
بقلم: يوسف بن يحي الواهج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق