
ولم نسمع أو نقرأ عن
دليل شرعيٍّ من القرآن الكريم أو السنَّة الشريفة، يحرِّم الاحتفال بمولده صلَّى
الله عليه وسلَّم، إنَّما يحرِّمه من يحرِّمه، اعتمادا على أنَّ رسول الله عليه
السلام لم يفعله.
نقول لهؤلاء: ألسنا نحن المسلمين في شرق
الأرض وغربها، وشمالها وجنوبها، نعمل آلاف الأعمال لم يكن يعملها رسول الله صلَّى
الله عليه وسلَّم، ولم يثر حولها نقاش عن حلِّيتها أو حرمتها.
فلم يكن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
يشرب في كؤوس زجاجية مشكَّلة ومزخرفة برسوم مختلفة، ولا يأكل في طواقم متكاملة من
صحون وملاعق وفراشيط وسكاكين مزخرفة وملوَّنة، ولم يولم يوما على كراسي وموائد
ومناديل أمام باقات ورد وزهر، ولم يشرب مشاريب غازية أو عصائر منعشة.
ولم يكن يلبس ما نلبس اليوم من سراويل
ومعاطف وتنانير وقبَّعات وما شابه ذلك...
ولم يكن يركب ما نركبه اليوم من سيارات
وقطارات وميتروات وطائرات وصواريخ...
ولم يكن يلعب ما نلعبه اليوم من
الرياضات، كالملاكمة والمصارعة وكرة القدم...
ولم يسكن ما نسكنه اليوم من عمارات
وفنادق وفيلات...
فليس من
حقِّ الإنسان أن يحرِّم شيئا أو يحلِّل شيئا بدون سند شرعيٍّ، فقط بدعوى أنَّ رسول
الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يفعل ذلك، وإلاَّ انتفت عن الرسالة الاسلامية
عالميتها، وصلاحيتها لكل مكان وزمان، فيبقى المسلمون يسكنون الخيم، ويركبون الخيل
والبغال والحمير، وحرموا أنفسهم من طيِّبات وخيرات الكون، التي سخَّرها الله تعالى
للبشر:
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي
الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء
فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ
وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ
لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ البقرة: 164
﴿أَلَمْ
تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن
يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ﴾ لقمان
: 20
﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾الجاثية : 13
﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ
فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ
مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ
تَعْلَمُونَ﴾البقرة : 22
ومن المحدثات التي يعيشها المسلمون
اليوم، الاحتفالات التي يقيمونها في مناسبات مختلفة، لمقاصد وأغراض مختلفة، كأفراح
الأعراس للزواج والختان، وحفلات تكريم الشخصيات، والاحتفال بأعياد الميلاد، وتكريم
المتفوِّقين والمتفوِّقات من الطلبة والطالبات في المدارس والمعاهد وما شابه ذلك.
ولا نظنُّ أنَّ الاحتفال بهذه المناسبات حرام بذاته، حتَّى إذا شابها شيء
محرَّم شرعي ارتكب أثناءها، لا يحق لنا أن نحرِّم المناسبة، بل التحريم يبقى دائما
يخصُّ الفعل الحرام المرتكب أثناء هذه؛ وعلى المسلم أن ينهى عنه وينكره، لتبقى
الاحتفالية نظيفة شرعية تحقِّق الأهداف التي أقيمت لأجلها.
وإلاَّ كنَّا كمن يغلق طريقا لحادث
وقع فيه، أو يهدم قصرا من أجل معصية ارتكبت فيه، بينما الصواب أن نمنع الفعل الخطأ
والمعصية، مع المحافظة على المكتسبات.
ولا شكَّ أنَّ من فكَّر وسعى وأقام
احتفالات بمناسبة المولد النبوي الشريف، قد توخَّى ورام مقاصد نبيلة وأهداف راقية
من خلاله، مثل:
-
تذكير المسلمين
بمولد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كلَّ سنة، خاصَّة والمسلمون اليوم منهمكون
في أعمال يومية مضنية، ومنشغلون بمتابعة قنوات فضائية طوال الوقت.
-
فرصة لتعليم
الناشئة شيئا عن السيرة النبوية الشريفة، خاصَّة أنَّ أغلب مدارس المسلمين اليوم،
تخلَّو أو تكاد عن دروسٍ تملأ هذا الجانب الضروري في حياة المسلم.
-
مناسبة تنعش
مشاعر الحبِّ والولاء لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، في عصر تكالب فيه أعداء
الاسلام على رسول الله، وتجرَّؤوا على سبِّه وهِجائه بشتَّى الوسائل والأساليب.
-
مناسبة لدعوة
أقلام الكتَّاب وقرائح الشعراء ومواهب النبغاء، للإبداع في مدح الرسول الكريم،
وتمجيد أخلاقه وخصاله ليكون قدوة للأجيال.

-
فيه مخالفة
لغير المسلمين الذين يضعون أقانيم لشبابهم، من عظمائهم ومشاهيرهم في مختلف الفنون،
كالغناء والتمثيل وكرة القدم، حتَّى صار شباب المسلمين يتشبَّهون بهم؛ بينما
الأولى أن يتشبَّهوا بنبيِّهم عليه الصلاة والسلام.
بقلم: يوسف بن يحي الواهج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق