الأفكار المعوَّقة

بينما أخرج
من بعضها والحيرة تأخذني كلَّ مأخذ من مستوى اللقاء، مرَّة من مستواه الحضيضي بغياب
النظام عنه، أو خلوِّه من مسيِّر ومنشط كفء، ومرَّة تقوقع الأفكار المطروحة في
محيط ضيِّق لا يتعدَّى الرقعة الجغرافية تلك، ولا يسمو إلى الآفاق التي أطلق الله
تعالى إليها العقل البشري، ولا يتعدَّى أنوف الحاضرين.
ورغم كثرة
الحاضرين واختلاف مستوى شهاداتهم الدراسية، وحيوية مشاركاتهم في الحوار، تبقى
الأفكار هي هي، والمستوى هوهو، والأغرب من ذلك أن تأتي الاقتراحات والأفكار بعيدة
عن الصواب ولا تقدِّم حلولا ناجعة للإشكالات التي من أجلها انتظم اللقاء.
وأثناء هذا
المجلس، وفي خضمِّ النقاش والحوار أسائل نفسي عن التفاوت الكبير بين لقاء ولقاء،
رغم أن الحاضرين في كليهما من المتميزين في المجتمع ومن حاملي الثقافة والمعرفة.
فوجدت أن
المجتمعين في اللقاء الأول، هم أشخاص وسِعوا ثقافات غيرهم إلى جانب ثقافاتهم،
واتسعت آفاقهم ومداركهم، وتعاملوا مع علماء ومثقفين وأصحاب كفاءات وتخصصات من خارج
محيطهم.
بينما كان
الحاضرون في اللقاء الثاني يتحرَّكون في أفق ضيق، وثقافة محدودة، وأفكار تقليدية
متوارثة، يبدو فيهم الانغلاق على أنفسهم جليا، ولا أظن أنَّهم أو أغلبهم قد احتكَّ
أو تعامل مع من في مستواهم الفكري أو الثقافي أو العملي من المجتمعات الأخرى؛ بل
أعلم أنَّ منهم من لم يخرج من منطقته الجغرافية أبدا.
بعد هذه المقارنة بين هذين المستويين، تأكد
لديَّ أنَّ تطور الشعوب وتطور المستوى المعيشي للأمم وتطور المستوى الثقافي
والعلمي للمجتمعات، وحتَّى التطور الاقتصادي والتجاري والحرفي، لن يكون إلاَّ
بالتعامل والاحتكاك والتعاون بينها.
فانغلاق
الأمم على نفسها والاكتفاء بجملة من الأفكار والمعارف تتداول وتتزاوج بين أبنائها،
يمنع تطوُّرها ويحدُّ من آفاقها فتعقِر عن الإبداع والاختراع، ولن يتولَّد من ذلك
إلاَّ فكرا مشوَّها وثقافة معوَّقة؛ كما تخلِّف
الزيجات بين الأقارب من أبناء معوَّقين ومشوَّهين!.
بقلم: يوسف بن يحي الواهج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق